فاينك آ طـــــــنجة؟
طنجة المدينة الوديعة تحولت إلى وحش بعد سنين من الهدوء والصمت العفيف. الناس غاضبون وحواجبهم معقودة وشفاههم مزمومة كأنهم في شجار دائم. حكى لي صديق مؤخرا أن أحد الطاكسيات الكبيرة كاد يدهس رجلا كان يبدو ساهما وشاردا. في الزمن السعيد، عندما كان يحدث هذا
طنجة المدينة الوديعة تحولت إلى وحش بعد سنين من الهدوء والصمت العفيف. الناس غاضبون وحواجبهم معقودة وشفاههم مزمومة كأنهم في شجار دائم.
حكى لي صديق مؤخرا أن أحد الطاكسيات الكبيرة كاد يدهس رجلا كان يبدو ساهما وشاردا. في الزمن السعيد، عندما كان يحدث هذا كان السائق والراجل يتبادلان عبارات الأدب على غرار: ” زيد أخاي نتا اللول”.. قمة الأدب والإيتكيت كما يقولون، رغم أن حادثة سير خطيرة كانت ستقع للتو. لكن النفوس المطمئنة كانت تتعالى على الضجيج واللعاب المتطاير.
أما الآن فسأحكي لكم ما حدث: لقد أخرج السائق رأسه من زجاج سيارته وأطلق واحدة من أجمل العبارات على الإطلاق: ” شوف حداك آ لحمار” (حاشاكوم). الرجل الآخر – وقد أوتي بسطة في الجسم – لم يكن من العاجزين واتجه نحو السائق وأخرجه من سيارته بيده اليمنى فقط كأنه ريشة في مهب الريح، ثم شبك أصابع كفه الأيسر تاركا السبابة والوسطى تتجهان نحو عيني الرجل بالضبط لتفقأهما.
يقسم لي صديقي أن السائق لو لم يكن أدار وجهه في اللحظة المناسبة فإنه كان سيفقد عينيه إلى الأبد. هكذا ارتطم أصبعا الرجل بوجهه فقط ونجا من واحدة ضربات بروس لي الشهيرة.
التساؤل هو: هل يعقل أن يفقد رجل عينيه فقط من أجل حادثة سير لم تقع وتم تجنبها بلطف الله؟ لم نكن بصراحة نتصور هذا حتى في أبشع الكوابيس أما الآن فأصبحنا نطلب السلة بلا عنب ونتمنى فقط أن يمر يومنا على خير وألا نقابل أحد “الكاعيين” فيتحول الاتجاه من البيت إلى مكان آخر والعياذ بالله.
الناس في طنجة أصبحت تتشاجر من أجل لاشيء. الشجار يكون دائما مجرد قشة تقصم ظهر البعير فينطلق الشيطان من عقاله. أسباب الشجار تتجمع منذ شهور في البيت والعمل (إن كان هناك عمل) والإدارات والمستشفيات وتنطلق في الشرايين لتصب أخيرا في سبب تافه أخير يؤدي إلى انفجار ضخم.
مجموعة من سائقي الطاكسيات أخبروني أنهم يتجنبون مجموعة من الزبائن لأنهم يحفظونهم عن ظهر قلب، ويعرفون أنهم يخرجون من بيوتهم وهم يكادون يتميزون من الغيظ. والطريقة الأفضل التي يجدونها للتنفيس هي أن يبدؤوا بأول من يقابلونه شرط أن يكون ضحية سهلة المنال.. وليس هناك أفضل من سائق الطاكسي طبعا.
الطنجاويون، على ما يبدو، من فترة الثمانينات إلى الآن، لم يستطيعوا أن يستشعروا تلك الفجوة الزمنية التي مروا بها والتي حولت مدينة صغيرة رومانسية وديعة إلى مدينة كبيرة متوحشة تكاد تتحول فعلا إلى ميتروبوليس حقيقي وليس مجرد مدينة عادية. فالأحياء التي تناسلت على الهامش وفي الضواحي تشكل مدنا صغيرة تتجمع وتتجمع لتعطينا في الأخير منظرا من فوق يجعلنا فعلا نفكر: أين هي طنجة؟
هذا المرور الزمني الخاطف أربكنا ولم نستطع أن ننسجم معه بشكل تام وفوجئنا بكل هذا الزخم، لذا أثر ذلك على أعصابنا وأصبحنا متشنجين وحانقين بعد أن كان يضرب المثل بالطنجاوي في الهدوء والتعفف عن السفاسف.
لهذا، لا أشعر بالراحة الآن في طنجة إلا عندما أشاهد جبلية مسالمة تتعفف أمام سطل من الهندي ولا تسأل الناس إلحافا، أو حارس عمارة ينام بسلام واللعاب يسيل من فمه وفي حجره تنام قطة تدرك أنه أكثر طيبوبة منها.
عندما يشاهد المرء مثل هذه المشاهد يستطيع أن ينام بسلام رغم كل ما يحدث.. وأن يحلم بمدينة كـان اسمها طنجة.
عبد الواحد استيتو
stitou1977@yahoo.com
Facebook | Abdelouahid Stitou