رمضان بشفشاون: أجواء روحانية وعادات أندلسية عريقة

بإطلالة شهر رمضان المبارك كل سنة، تتجدد بشفشاون مجموعة من العادات والتقاليد الأندلسية العريقة، التي تفوح منها رائحة قدسية المكان وروحانية الزمان. وتتغير الحياة اليومية لدى الساكنة، وتدب الحركة في الأسواق، ويتغير نمط عيش الأفراد والأسر، فيتبعون نظاما

طنجة نيوز – و.م.ع
بإطلالة شهر رمضان المبارك كل سنة، تتجدد بشفشاون مجموعة من العادات والتقاليد الأندلسية العريقة، التي تفوح منها رائحة قدسية المكان وروحانية الزمان. وتتغير الحياة اليومية لدى الساكنة، وتدب الحركة في الأسواق، ويتغير نمط عيش الأفراد والأسر، فيتبعون نظاما جديدا على مستوى المأكل والملبس وفن العيش.

وبهذه المناسبة يتقوى الإيمان والتعبد، في أداء الشعائر الدينية المفعمة بعبق الذكر وتلاوة القرآن، كما يزداد الاقبال على الدروس الدينية التي يلقيها علماء أجلاء في المساجد.

وأضحى شهر رمضان الأبرك فرصة لتنشيط الحركة الاقتصادية، وترسيخ استمرارية تقاليد عريقة متوارثة مثيرة للاهتمام، لطالما كانت مصدر اعتزاز لسكان شفشاون التي كانت ملاذا لعدة أسر أندلسية، استقرت بها وشيدت أحياء بداخل المدينة منذ تأسيسها قبل خمسة قرون.

وتتميز أيام شهر رمضان بشفشاون بعدة طقوس واحتفالات دينية واجتماعية، تجعل منها حاضرة مختلفة عن باقي المدن المغربية التي بدأت عاداتها في استقبال شهر رمضان في الاندثار والتراجع التدريجي.

أجواء رمضان بشفشاون تطبعها نفائح دينية بخصوصيات محلية وأندلسية عريقة متوارثة من الآباء عن الأجداد، في مقدمتها القيام بجولات في المدينة العتيقة قبل موعد الإفطار، أو بعد صلاة التراويح، حيث يبدو شارع السيدة الحرة، وحي السويقة وساحة وطاء الحمام، دائمي الازدحام بسبب التسوق مما يعطي لهذه الأماكن طعما آخر، وروحانية عالية، تتجلى في عدد المساجد والزوايا الصوفية المتواجدة في كل حي وزقاق.

إعلان

وجدير بالذكر أن الأسر الشفشاونية، خاصة قاطنة المدينة العتيقة، تستعد أياما قبل حلول شهر رمضان، وهي عادة تسمى بـ “العواشر”، حيث تقوم الفتيات وربات البيوت، بنفض الغبار عن الأثاث، والقيام بعملية تنظيف البيت، وطلاء جدرانه الداخلية، وكذلك واجهته الخارجية باللون الأزرق النيلي، مما يعطي للمدينة طابعا احتفاليا خاصا.

وخلال فترة “العواشر”، تعرف رحاب المساجد والزوايا حركة دؤوبة، حيث يسهر القائمون عليها على تنظيف أفرشتها أو تغييرها بأخرى جديدة، كما يتم طلاء الجدران، وصيانة مكبرات الصوت.

على مستوى العلاقات الانسانية، تستحضر الأسر الشفشاونية صلة الرحم، حيث يتأجج الحنين تجاه الأقرباء من المهاجرين خارج المغرب، أو أولئك المقيمين في مدن مغربية أخرى الذين حتمت عليهم ظروف العمل أو متابعة الدراسة الاستقرار بعيدا عن أهلهم وذويهم.

وتمتد هذه الوشائج العاطفية لتشمل الجيران، إذ تكثر الزيارات ويزيد تقديم الهدايا بمناسبة شهر رمضان، وتبادل أطباق الحلويات المصنوعة محليا، كما يبرز هذا التواصل والتضامن الاجتماعي في مساعدة المحتاجين ومعايدة المرضى، وإرسال طرود عبر وسائل النقل السريعة إلى الأهل والأحباب بداخلها بعض الحلويات والمأكولات المحلية.

وتعرف المدينة إقبالا على الأسواق والمحلات التجارية، سواء من السكان أو من طرف القرويين الذين يتوافدون لشراء مستلزمات شهر رمضان الكريم، حيث تظهر مهن موسمية مثل افتتاح محلات لبيع الحلويات مثل “الشباكية” ومختلف أنواع الفطائر، كما يزداد الاقبال على الجبن الشفشاوني الطبيعي، خاصة أجبان الماعز.

كما تنتعش خلال شهر رمضان مجموعة من المهن التقليدية التي تقاوم مختلف عوامل الاندثار، إذ تنتعش تجارة مختلف الألبسة والأحذية التقليدية، خاصة البلغة الشفشاونية الأصيلة، بينما تحرص النساء على خياطة جلابة تقليدية جديدة بهذه المناسبة، ويدققن غالبا في اختياراتهن بين مختلف أنماط الخياطة والتزيين كـ “الطرز” و”التنبات”، “البْشر” و”المرمة” حتى وإن كانت الظروف المادية لا تسعف في كثير من الأحيان.

إذ تعتبر الكثير من نساء المدينة أن ارتداء الجلابة التقليدية عادة لا محيد عنها في شهر رمضان، على اعتبار أن هذا الزي يشكل صلة وصل لذواتهن مع هويتهن المغربية الإسلامية.

أما على موائد الإفطار، فتتصدر المأدبة شربة “الحريرة” وكؤوس المياه العذبة القادمة من منابع “رأس الماء” و عين أمراح”، إلى جانب مختلف أنواع الحلويات التقليدية المغربية المعدة خصيصا لرمضان من قبيل “الشباكية” و”السفوف” و”البغرير” والتمر والتين المجفف، بينما يفضل البعض الإفطار بالأسماك، حيث يقبل الصائمون على مختلف أنواع الطاجين، المعروف محليا باسم “تاغرا”، خاصة طاجين السردين و الأنشوبة (الشطون)، بينما يفضل آخرون تأخير هذه الأكلة الدسمة إلى ما بعد صلاة العشاء، بينما تكون وجبة السحور خفيفة، مكونة من الحليب أو مشتقاته أو القهوة والشاي وبعض الفطائر والجبن والعسل.

ومن عادة ساكنة شفشاون أنهم يتسامرون في الساحات العامة وفي المقاهي إلى غاية قدوم المسحراتي (النفار أو الطبال أو الغياط)، وهي عادة ما زالت تقاوم عوامل الزمن، حيث تعطي نكهة رمضانية واحتفالية خاصة، إذ يسمح في بعض الأحيان للمسحراتي بالصعود فوق مآذن المساجد لإيقاظ الصائمين، بينما يختار آخرون أن يجوبوا أزقة وحواري المدينة، يرافقهم في ذلك إيقاعاتهم المغربية الأصيلة التي تكسر سكون الليل.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...