المهاجرون الأفارقة في المغرب مهددون بالترحيل في كل وقت

“هذه حكايتي. كم تمنيت لو كانت مختلفة. أسف جدا عن الإزعاج”. يقول ستيف، إفريقي من الكونغو، وصل قبل ست سنوات إلى المغرب، ناجيا من الموت الذي واجهه مرارا في رحلة الهجرة السرية الشاقة. معاناته لم تنته بعد

الرباط- تقرير: كريمة ادرسي/ إذاعة هولندا العالمية *
“هذه حكايتي. كم تمنيت لو كانت مختلفة. أسف جدا عن الإزعاج”. يقول ستيف، إفريقي من الكونغو، وصل قبل ست سنوات إلى المغرب، ناجيا من الموت الذي واجهه مرارا في رحلة الهجرة السرية الشاقة. معاناته لم تنته بعد، وهو يعيش الآن كابوس ترحيله في اية لحظة.

في مقهى بقلب الرباط، مع ثلاثة أفارقة، يتلفتون يمينا وشمالا ثم يقولون “أنت خطر علينا، ونحن خطر عليك وجودنا سويا خطر علينا سويا، هل تفهمين؟ إذا ضبطونا، لن تمر الأمور بخير”.

طرد الى وجدة
تشن السلطات المغربية حاليا حملة واسعة ضد الافارقة المقيمين بصفة غير قانونية في المغرب. تتم مداهمة البيوت في كل مكان، وتوقيف الأفارقة في الشارع، لسؤالهم عن الهوية، وبالتالي القبض عليهم وترحيلهم إلى وجدة، المدينة المغربية الشرقية المتاخمة للحدود مع الجزائر. ولأن الحدود مغلقة، فان السلطات تترك الافارقة هناك في الخلاء وتقول لهم مشيرة إلى الصحراء الشاسعة: “من هنا، الطريق إلى وطنك، فارحل”.

إلا أن غالبيتهم يظلون في وجدة، إلى أن يحصلوا على تذكرة سفر فيعودون بها إلى المدينة التي كانوا يقيمون فيها. والبعض الاخر يستسلم ويسلم نفسه لجمعيات المجتمع المدني الخاصة بمساعدة الأفارقة، لترتب لهم سفرا امنا للعودة الى بلادهم.

ارحل ليعمل المغربي
تكون الحملة احيانا شرسة لدرجة ان الشرطة توقف كل افريقي بالشارع بشكل مهين. وأحيانا يمزقون جوازات السفر او الاقامة المؤقتة لبعضهم كما فعلوا مع “تريزور”، إفريقي مقيم في المغرب من سنوات، له وظيفة جيدة، وإقامة قانونية وبيت وسيارة. قال له الشرطي الذي مزق إقامته “عد إلى بلدك، ودع وظيفتك لمغربي محتاج اليها. سببت لنا المزيد من البطالة”. واستطاع “تريزور” أن يجدد إقامته بعد شهرين كاملين من الاجراءات البيروقراطية.

كثيرون من أصدقاء ستيف طردوا إلى وجدة، ويأملون ان يعودوا الى الرباط حيث كانوا. يبدو ستيف متوترا للغاية. مصاب بالأرق، ويسترق السمع إلى كل الخطوات المقتربة من شقة الاستوديو الصغيرة التي يتقاسمها مع ثلاثة آخرين بإيجار ثمانين يورو في الشهر. متى سيأتي دوره ليتم ترحيله هو الأخر إلى وجدة؟ هذا هو الكابوس. يمد ذراعه بحركة يائسة: “انظري، أليس لون جلدتي هو مأساتي؟”.

الحكومة: مخاطر أمنية
تجدر الاشارة الى ان وزارة الشؤون الداخلية المغربية كانت قد اشارت في وقت سابق الى انها مضطرة لشن هذه الحملات ضد المهاجرين المنحدرين من جنوب الصحراء، لان “المصالح الامنية وقفت على ملف امني خطير يهدد المغرب على يد المهاجرين الافارقة السريين. حيث ان المهاجرين الافارقة باتوا يشكلون عصابات خطيرة تستفيد من الانتشار غير المسبوق للأسلحة والفوضى السائدة في مناطق واسعة بدول الصحراء، خاصة بعد سقوط نظام القذافي والانقلاب الذي عرفته مالي”.

ويمكن النظر إلى ما يحدث في الأمر بوصفه نتيجة للضغوط الكبيرة التي مارستها الدول الأوروبية خلال أعوام على المغرب لكي يتكفل بمهمة صدّ موجات الهجرة الأفريقية إلى أوروبا. وكذا صار على المغرب أن ينفذ بالنيابة المهمة الشاقة التي كانت الدول الأوروبية تقوم بها بنفسها، وعلى أراضيها.

حكاية ستيف
“اعتقد ان العالم يتغاضى عن مساعدتنا لأنه يرفض عرقنا. انها العنصرية فقط. لا شيء غير ذلك. نحن بشر لا نريد إلا حقنا في العيش الكريم. حق لا يمنحه لنا أحد”. ستيف، في الخامسة والثلاثين، يحلم بعمل وزوجة وهوية. في الحرب فقد والدية الاثنين وكل اهله المقربين. اصبح وحيدا فقرر ان يغادر المكان الذي لا يذكره إلا بالموت والضياع.

خرج قبل ست سنوات من بلاده، مع مجموعة فيها 25 شابا من عمره. قضوا عاما كاملا في السير على الاقدام احيانا والتنقل حينا قبل ان يصل من تبقى منهم على قيد الحياة الى المغرب.

اثناء الرحلة التي طالت عاما كاملا، كان يتوقف مع رفاقه حينا في مكان ما، يشتغلون بثمن بخس ليستطيعوا دفع ثمن شاحنة تمر بالصحراء. في نيجيريا توقفوا ثلاثة اشهر. وتوقفوا بمالي ثم بصحراء ليبيا. في ليبيا نفذ الاكل والشراب. ظلوا اسبوعا كاملا بدون ماء. هناك فقدوا اول رفيق لهم. دفنوه بصحراء ليبيا وواصلوا الطريق الى ان وصلوا للجزائر.

أفاعي الصحراء
ناموا في الخلاء و”كانت الافاعي تمر كل يوم علينا، وكأنها تلقي السلام، ولا تقرب منا”. اما الجزائر كانت البلاد “الاقل امانا من أي مكان أخر”. كانوا مجبرين ان يتخفوا باستمرار. ظلوا هناك ستة اشهر كاملة. يعملون في اشغال شاقة بعيدة عن الأنظار، ويدخرون المال القليل الذين يكسبونه. “انها معجزة اني بقيت على قيد الحياة في الجزائر.. حقا معجزة، احمد الله عليها كثيرا”.

وأخيرا وصلوا إلى المغرب. استقروا بغابة غوروغو المعروفة بالناظور شمال المغرب، على أمل أن يعبروا سرا بـ “قوارب الموت” إلى الضفة الاخرى.

موت بالغابة
كثيرون منهم ماتوا بالغابة. بعضهم برصاص شرطة الحدود حين حاولوا العبور سرا. وبعضهم الاخر من برد الشتاء. اما الجوع فبعد ان اغلقت الشرطة الطريق على المحسنين الذين كانوا يتصدقون عليهم بالطعام والفراش، أكلوا لحوم قردة الغابة.

لم يتحمل ستيف البقاء في الغابة أكثر من ستة شهر، كان ذلك يذكره بالضياع والموت الذي عاشه في بلاده. وحين تعرف على افارقة مقيمون هناك من سنوات طويلة، على أمل أن يعبروا الى الضفة الأخرى تنازل عن الحلم وعدل عن فكرة العبور الى الضفة الاخرى. واتجه مع بعض رفاقه الى الرباط.

الرباط
يستقر ستيف في الرباط. يقول ان وضعه ليس سيئا، لأنه لم كان دائما اسوأ مما هو عليه الان. انه يعمل ” بضربة حظ” فقط وفي نهاية النهار يحصل على مبلغ خمسين درهما لا غير. ومع ذلك فهو سعيد. “حالي أفضل من حال غيري بكثير. واحمد الله كثيرا على كوني لا زلت على قيد الحياة. المغاربة كرماء معي وعطوفون ولكن يكفي ان تكون افريقيا اسود لتقبض عليك الشرطة. لونك تهمة في حد ذاتها”.

جواز سفر
يفكر ستيف مثل غيره في شراء جواز سفر. لن يكون أوروبيا، “لأن حلم الضفة الاخرى لم يعد يغريني أبدا”. يذهب الكثيرون إلى موريتانيا، لشراء جواز سفر سنغالي مثلا بثمن 250 يورو، ويعودون إلى المغرب ليحصلوا على عقد عمل، ولا يتعرضون لأية مضايقات لان جواز السفر السنغالي لا يحتاج لتأشيرة. تمامتً مثل جواز سفر من مالي، أو ساحل العاج، أو غيني. أما جواز السفر الأوروبي فليا يقل سعره عن 2000 يورو. وفي الغالب يكون جواز سفر فرنسيا، وفي الغالب أيضا، يضبط من يحاول العبور به، ويجد نفسه عائدا الى نقطة الصفر. ويظل محتجزا الى ان تتدخل احدى جمعيات المجتمع المدني التي تدافع عن حقوق الافارقة غير القانونيين بالمغرب.

المجتمع المدني والأفارقة
“ظاهرة الهجرة هذه ستبقى”، يقول كريم الشعيري، محام وحقوقي في جمعية اللقاء المتوسطي للهجرة والتنمية. الجمعية تأسست في مارس 2009، بتمويل اسباني وتهتم بالهجرة الافريقية من الجهة القانونية والاجتماعية والصحية، حيث تحاول أن توفر للأفارقة حقهم في التطبيب، وتعمل على توعيتهم بحقوقهم وتشتري لهم الادوية وتقدم لهم مساعدات مادية أساسية بسيطة بل يتولون دفن من يموت منهم ايضا بمقابر مغربية. يقول الشعيري: “منهم من يندمج بالمغرب، ومنهم من يختار طواعية العودة إلى بلاده، بل منهم أيضا كثيرون كانوا قد عبروا سرا الى اسبانيا ثم عادوا إلى المغرب”.

ولكن يشير المحامي إلى ظاهرة أخرى تصاحب ظاهرة الهجرة الإفريقية هذه، وهي الجريمة، حيث يتورط بعصهم في الجريمة على حد قوله، وهؤلاء يعادون إلى بلادهم متى قبض عليهم.

أما “ارونا”، شاب سنغالي مرح، فيعمل مساعدا اجتماعيا بالجمعية. يستقبل حوالي خمسة عشر افريقيا محتاجا لمساعدته. يقول انه بحكم الانتماء وتشابه الجذور، فهو يتفهم هؤلاء المهاجرين ويفهمهم اكثر من غيره.

* تـُنشر هذه المادة في إطار الشراكة المعقودة بين المجلة الإلكترونية طنجة نيوز والقسم العربي في إذاعة هولندا العالمية.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...