حديقة الحيوانات بطنجة.. متردية ونطيحة؟ أم سبع حقيقي؟

عبد الواحد استيتو

في إحدى زياراتي لمدينة الدار البيضاء قبل أكثر من عقدين من الزمن، أوصاني شخص كبير وحكيم أن أتجاهل زيارة حديقة الحيوانات، وعندما سألته عن السبب أخبرني أنه لا يوجد هناك سوى “واحد السبع مذلول” !

ضحكت كثيرا حينها من الوصف، لكنني عندما زرت الحديقة، دون أعمل بنصيحته، اكتشفت أنه كان على حق فعلا، وأن الحديقة ليست مغرية إطلاقا وأن الأسد الموجود هنا “مذلول” فعلا ويعاني من جوع وإهمال شديدين.

والآن، وفي سنة 2022، يصل فجأة إلى مسامعنا قبل شهور قليلة أن جماعة طنجة تبشرنا بافتتاح حديقة للحيوانات”بمعايير دولية”. والحقيقة أن مثل هذه الأوصاف مستفزة جدا ولا تليق بمسؤول أن ينطقها، فهل هناك حديقة حيوانات بمعايير “غير دولية”؟ هناك إما حديقة حيوانات (بما لها وما عليها)، أو…. لا شيء.

إذن، هكذا فجأة ودون أي إرهاصات مسبقة يطل علينا هذا المشروع الضخم، دون أن نسمع يوما أن أهل المدينة طالبوا بمشروع كهذا، بما سيستنزفه من ميزانية هائلة، على صعيد الإشراف المتواصل والصيانة، وكذا استهلاك الغذاء والماء (ونحن نعيش مرحلة جفاف نتمنى ألا تطول).

لكن، إذا عرف السبب بطل العجب. وعندما نسمع أن مساحة المشروع ستشمل عدة هكتارات، وأن هذا يتطلب نزع ملكية مجموعة من الأراضي.. تتضح لك الصورة قليلا، ولو أن الصورة الكاملة لن تراها إلا بمنظار مقرّب. وهذا لن تجده في أي مكان، لأن المعلومة ببساطة غائبة.

حسب المعلومات البسيطة المتوفرة لدي، فإن الحديقة ستأخذ فقط 10% من مشروع منتزه وطني شاسع “سيكون من المشاريع التي ستعطي دفعة كبيرة لتنمية السياحة”. لكن هل حقا تم استثمار كل ما تملكه طنجة من إمكانات ولم يبق لنا سوى إحداث حديقة حيوانات لجلب السائح، سواء الأجنبي أو المحلي؟

حسب علمي فإن قصر برديكاريس لوحده، مثلا، بكل تاريخه العريق، يمكن أن يجلب آلاف السياح الأمريكيين من خلال تاريخه الذي لا زالت أمريكا تحتفظ به، وبالخصوص عبارة الرئيس الأمريكي روزفلت الشهيرة “برديكاريس حيّا، أو الريسوني ميّتا”.

وطبعا، لن يتطلب القصر، سوى بضعة رتوشات، بعد عملية تأهيل سابقة، كي يصبح وجهة تاريخية ثقافية ممتازة.. لكنّ أكثر المنتخبين لا يعلمون.

لدينا إرث هائل في طنجة يمكن استثمار ميزانيات بسيطة جدا فيه، ويجلب لنا أضعاف السياح الذين قد يقرروا يوما زيارة حديقة الحيوانات.

ثم إن نظرة سريعة على الجارة إسبانيا تجعلنا نكتشف أن بلدية برشلونة مثلا، باقتصادها القوية وسياحتها المتعافية، تفكر جديا في التخلص من حديقة حيواناتها الشهيرة، لأنها تستهلك الكثير من الموارد، دون دخل عالٍ يذكر.

وإسبانيا كلها، عموما، ليس فيها سوى 6 حدائق للحيوانات، اثنان منها بحريتان، وواحدة عبارة عن “بيو بارك”.. فما الذي ستضيفه حديقة حيوانات في طنجة ونحن لدينا واحدة في الرباط وأخرى أعيدت هيكلتها وستفتح خلال شهور في الدار البيضاء؟

وسنفترض أنه تم أخيرا فعلا تنزيل هذا المشروع وافتتاحه، بعد سنوات طوال، هل سنضمن أننا قادرون على توفير ميزانية سنوية للعناية بحيوانات الحديقة.. وألا نجد أنفسنا أخيرا أمام أقفاص تضم المتردية والنطيحة، وما أكل السبع؟ إن وجد ما يأكل أصلا !

https://www.facebook.com/abdelouahid.stitou.9

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...