مع بداية كل موسم يتفرغ التلاميذ والتلميذات خصوصا لكل ما يتعلق بالدخول المدرسي، ويمضي شهر شتنبر بكامله تقريبا في هذه الاستعدادت، بعد أن تكون العطلة قد أخذت نصيبها من الأجساد والنفوس.
في هذه اللحظات، وعلى الجانب الآخر من العالم الطبيعي، يوجد عالم آخر غريب عجيب، فيه كائنات أغرب وأعجب، لا شغل لهم ولا هدف في الحياة سوى التحرش بالتلميذات وإزعاجهن على مدار السنة.
تجدهم فرادى وجماعات في أبواب الإعداديات والثانويات في أوقات الخروج والدخول بدءا من الثامنة حتى المساء، يحاولون أن يلعبوا دور “مهند” وكل عائلته غير المحترمة التي لا تأكل ولا تشرب ولا تعمل وتكتفي فقط بالحب كوظيفة بدوام مستمر لا ينتهي.. وهدفهم واحد أوحد لا يتغير أبدا: التحرش ببنات المدارس!!
لا يشكل الاستيقاظ باكرا مشكلة بالنسبة إليهم رغم أنهم في الواقع عاطلون، لكن وضوح الهدف يساعدهم على التغلب على النوم الذي يثقل أجفانهم حتى لو اقتضى الأمر الظهور بجفون متورمة من أثر النوم، حتى يخيّل إليك أنك فعلا أمام موظفين “أشباح” بدوام كامل، لأنهم لا يكلون ولا يملون طيلة اليوم، وطيلة السنة.
أما شروط الانضمام إلى هذه “الأخوية” التي لا أخوة فيها، فهي:
– أن تحلق جانبي رأسك تماما، وتملأ ما تبقى من شعر فوق قبة رأسك بال”جـــيل” حتى يتخذ شكل ديك رومي… الفروج وصافي.
– أن تكون وقحا وفظا ولا تقيم أي وزن للأخلاق.
– أن تسب الدين والملة كل دقيقة.
– أن تبصق كل 5 ثواني على الأرض دلالة على الإبداع في الجرأة.
– أن تحمل في جيب سروالك الخلفي سلاحا أبيضا، ولك أن تختار واحدا من العائلة الكريمة، إما بونقشة أو المضا أو الشواشة أو حتى السيف الوهاج. وذلك حسب سلمك الوظيفي.
إذا استوفيت هذه الشروط تكون قد اجتزت المرحلة الأولى من الانتقاء، ولاتبقى سوى المرحلة الثانية والأخيرة، وتتمثل في قدرتك على المضايقة وافتعال المشاجرات بشكل يومي، وكذا المواظبة..المواظبة ضرورية في وظيفتهم تلك لأنهم لا يعبثون.
أراك تسأل عن مكان الوظيفة؟ مبدئيا، المكان هو كل باب مدرسة أو إعدادية.. لكنهم يقبلون، تجاوزاً فقط، الدروب والممرات المؤدية للمدارس، فهي في الحقيقة منبع هام لممارسة الوظيفة، وينطبق عليها ما ينطبق على أبواب المدارس.
المهم، كما قلنا، هو امتلاك أكبر قدرة على الإزعاج والمضايقة تحت شعار: مادمنا لم ندرس نحن، فلن يدرس أحد.
أعرف أن أغلبكم يعلم بوجود هؤلاء “الموظفين”، ويعلم أن عددا من أبواب المدارس تحول أكثر من مرة إلى ساحة معركة دامية أدت إلى القتل غير ما مرة، بسبب المنافسة على هذه الفتاة أو تلك، في محاولة فاشلة تماما لإظهار الرجولة.
الغريب في كل هذا هو الصمت المطبق الذي يلف الموضوع، سوى بضع محاولات باهتة هنا وهناك.. علما أن محاربة ظاهرة كهذه تتطلب عملا جماعيا لكل الأطراف: الأمن، الأطر التعليمية، الجماعات، الأسر…إلخ.
لا بد من الصرامة في هذا الأمر وإلا سنسمع المزيد والمزيد من الحكايات الصادمة التي مكانها واحد دائما: أبواب المدارس.. أبواب أماكن يفترض أنها مخصصة لتلقي العلم… زاعما !!