شوق وفرح ولهفة للعودة إلى الديار.. بعض من ملامح عمليات ترحيل المغاربة العالقين بإسبانيا
إعداد : حفيظ البقالي - و.م.ع
تصر الحاجة فاطمة على عدم إفلات حقيبتها التي ملأتها بأغراضها على عجل، متناسية أحيانا الإبقاء على مسافة الأمان بينها وبين من يحيط بها، لترد على تنبيهات المشرفين على التنظيم بلكنة شمالية مميزة والابتسامة تعلو محياها: “سمحولي راها الفرحة والشوق للبلاد”، قبل أن تعود خطوات قليلة إلى الوراء في انتظار الولوج إلى مكان توقف الحافلات، التي ستقلهم إلى المطار في رحلة العودة إلى المغرب.
ولم تشكل الحاجة فاطمة استثناء في الاستعجال وفقدان صبر الانتظار من بين 300 مواطن مغربي، كانوا قد علقوا في إسبانيا، على إثر إجراءات الحجر الصحي المرتبطة بتفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، والذين تمت إعادتهم أمس الجمعة، عبر ثلاث رحلات جوية من مطار مدريد “باراخاس” في اتجاه مدينة وجدة، في إطار الشطر الثاني من برنامج إعادة المواطنين المغاربة الذين كانوا عالقين في جهة مدريد ونواحيها.
فقد كان الكثير منهم يسارعون الخطى، محملين بأمتعتهم وحقائبهم، بمجرد ما أن يقترب منهم أفراد اللجنة التنظيمية التي أحدثتها سفارة المملكة بإسبانيا بأرض المعارض (إفيما) وسط مدريد، كنقطة تجمع وانطلاق إلى مطار (باراخاس)، لإعادة التدقيق في الأسماء والوثائق قبل السماح لهم بركوب الحافلات، التي كانت متوقفة في انتظار نقلهم إلى المطار وفق نفس البرنامج الذي انطلق في شطره الأول من مطار مالقة في اتجاه المغرب، والذي مكن من عودة 300 من المواطنين، والذي ستليه عملية أخرى في الأيام القليلة القادمة ستشمل العالقين بجهة كتالونيا.
وكما تقرر حين إعلان المملكة عن هذا البرنامج، الذي يستهدف بالأساس الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية أو أمراض مزمنة، وكذا بعض المسنين والأشخاص الذين يتواجدون في وضعية صعبة، والأطفال القاصرين، فإن عملية إعادة المغاربة العالقين تتم وفقا لشروط السلامة الصحية للمواطنين، خلال جميع المراحل التي تتطلبها، منذ الوصول إلى نقطة التجمع، حيث يتم الالتزام بالمعايير التي تم تحديدها، لاسيما ارتداء الأقنعة الواقية واحترام مسافة الأمان الضرورية، مرورا بنقل المستفيدين في الحافلات باتجاه المطار، ووصولا إلى الركوب في الطائرة.
وبغية إنجاح هذه المبادرة الإنسانية، قامت السفارة بتعبئة فرق لتنظيم وتأطير هذه العملية، سواء بنقطة التجميع أو في المطار، مع توفير كل المستلزمات الطبية الوقائية لجميع المستفيدين، إلى جانب حصر عدد الركاب في الحد الأدنى من أجل احترام مسافة الأمان الصحية اللازمة، وذلك وفق مقاربة زاوجت بين الالتزام والتقيد بجميع التدابير الاحترازية والوقائية المعتمدة، وفي نفس الوقت دعم المستفيدين وتوجيههم وتقديم يد المساعدة والدعم لهم.
والواضح أن هذه المقاربة آتت أكلها. فقد انضبطت الحاجة فاطمة وباقي المستفيدين لهذه الإجراءات، على الرغم من اللهفة والاستعجال الذي كان باديا على محياهم، حين وصلوا أول مرة إلى نقطة التجمع، لأنها كما قالت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء “تدابير في صالحنا وغايتها حماية صحتنا، ومن ثم علينا أن نتفهم هذا الوضع”.
وتضيف الحاجة فاطمة، المرأة الستينية التي قدمت إلى إسبانيا في إطار زيارة عائلية لمدريد قبل شهر مارس، لتطول إقامتها بسبب حالة الطوارئ والحجر الصحي “إنه الشوق إلى البلاد والأحباب والعائلة، هو ما يجعلنا مستعجلين”، قبل أن تهمس بلكنتها المميزة “الله يسمح لينا منهم تكرفصو معانا والله حتى الشانطة (الحقيبة)، مخلاونيش نهزها، لقد تكلفوا بكل شيء”.
أما جمال ستيتو، وهو مقاول من تطوان، فحكايته كما يقول مختلفة شيئا ما عن الآخرين، لأنه جاء في إطار رحلة سياحية إلى إسبانيا رفقة زوجته وابنه الصغير، وفي نيته أن يقضي أياما سعيدة ويعود أدراجه إلى المغرب لأن زوجته حامل “لكن شاءت الأقدار أن تتحول هذه الزيارة إلى إقامة جبرية بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا، وإعلان إسبانيا حالة الطوارئ الصحية، وإغلاق الحدود، لينتهي الأمر بزوجته إلى أن تنتقل للمستشفى حيث وضعت مولودتها”.
ويتابع جمال بنبرة تشي عن فرحة الخلاص “رغم معاناتنا النفسية وظروف البعد عن الوطن وعن الأهل وعن أعمالنا لمدة طويلة، وكذا المشاكل التي واجهتنا مع بداية الحجر الصحي، فقد كان هناك قرب كبير ودعم استثنائي من طرف المصالح القنصلية، التي بذلت مجهودات لا يمكن إنكارها في مساعدتنا والاستجابة لطلباتنا، كما تكفلت بنا وعملت كل ما في وسعها للتخفيف عنا في هذا الظرف الخاص”.
ويضيف “ولأن وضعيتي بعد ولادة طفلتي الصغيرة بمدريد، خلال فترة الإغلاق التام والحجر الصحي، كانت استثنائية، فقد لجأت إلى المصالح القنصلية التي لم تبخل عن تقديم الدعم والمساعدة، حيث تكفلت بكل الإجراءات القانونية ليتصلوا بي بعد وقت وجيز ويسلموني جواز السفر الخاص بابنتي الصغيرة، لنعود إلى الوطن كعائلة من أربعة أفراد بعد أن قدمنا للسياحة في هذا البلد ونحن ثلاثة”.
أما أحمد أحكال، وهو مستخدم من إحدى مدن الشمال، فيؤكد أنه رغم الضغط النفسي الذي أثر على الجميع خلال هذه الفترة العصيبة التي استغرقت ثلاثة أشهر بسبب إغلاق الحدود، فقد حاول كل واحد التأقلم بإمكانياته وظروفه مع هذا الوضع “دون أن ننسى دعم السفارة والمصالح القنصلية للمملكة، التي قدمت المساعدة للأشخاص الذين كانوا يوجدون في وضعية صعبة”، وذلك من خلال توفير السكن والتغذية والرعاية الصحية إذا ما لزم الأمر، لهذه الفئات، فضلا عن تضامن وتآزر المغاربة العالقين مع بعضهم البعض، وكذا دعم الجمعيات المغربية والمتطوعين الذين لم يذخروا أي جهد لدعم ومؤازرة العالقين.
وأضاف أحمد الذي جاء في إطار رحلة سياحية إلى إسبانيا، قبل إغلاق الحدود بأيام، ليجد نفسه عالقا، “لقد حاولت التعايش مع هذا الوضع والتأقلم مع الظروف بفضل دعم المصالح القنصلية التي وفرت لنا ما نحتاجه وتكفلت بنا إلى أن جاء الفرج”.
يشار إلى أن الحكومة المغربية تكلفت، طبقا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بجميع النفقات المالية لتنفيذ برنامج إعادة المغاربة العالقين، وكذا بكل التكاليف المتعلقة بالسكن وبإجراء اختبارات الكشف عن فيروس كورونا المستجد، في امتثال صارم للبروتوكول الصحي المعمول به خلال أيام الحجر الصحي، الذي سيخضع له المستفيدون من هذه العملية عند الوصول إلى أرض الوطن.