طنجة.. ماريا ألمندروس استقبلت أطفال متخلى عنهم في بيتها

تعيشُ ماريا ألمندروس في طنجة منذ نحو خمسة عشر عاماً. اختارت بيتاً كبيراً، وملأت الطابق العلوي بأسرّة بيضاء. اعتادت أن تطوي الملاءات بعناية، لتضع فوقها الدمى. أما الطابق الأرضي، فيتألف من قاعة للدراسة، ومكتب، ومطبخ، وقاعة استقبال، بالإضافة إلى حديقة خ

طنجة نيوز – وصال الشيخ *
تعيشُ ماريا ألمندروس في طنجة منذ نحو خمسة عشر عاماً. اختارت بيتاً كبيراً، وملأت الطابق العلوي بأسرّة بيضاء. اعتادت أن تطوي الملاءات بعناية، لتضع فوقها الدمى. أما الطابق الأرضي، فيتألف من قاعة للدراسة، ومكتب، ومطبخ، وقاعة استقبال، بالإضافة إلى حديقة خارجية.

في بيت ألمندروس عشرون سريراً، ينام عليها أطفال تراوح أعمارهم ما بين 8 سنوات و16 عاماً. لم يكن لدى هؤلاء أي مأوى غير الشارع. عانوا من البرد والجوع، فيما أدمن بعضهم رائحة “لصاق السلسيون” (مادة بتروكيماوية)، وباتوا يسعون جاهدين للحصول على المال لشرائه.

وُلدت ألمندروس وتربّت في طنجة حتى عام 1969. وبعدَ مرور بعض الوقت، قررت العودة إلى مدينتها لتجد أطفالاً في الشوارع. تقول: “لم أعتد أمراً مماثلاً في طنجة حين كنت صغيرة. صرت أسأل الأطفال عن سبب نومهم في الشارع، وعن عائلاتهم. بعدها فكرت أنه يجب أن أفعل شيئاً ما لأجلهم”. تضيف: “صار لدي بيت فيه عشرون سريراً. عملتُ جاهدة لتغيير حياتهم نحو الأفضل. يتعلّم بعضهم في مدارس حكومية، فيما يتعلّم آخرون مهناً في ورشات تُؤهّلهم للعمل لاحقاً. وحينَ يكبرون، ويحين الوقت لخروجهم من البيت وبدء حياتهم، سيكونون قادرين على العيش لوحدهم”. وتلفت إلى أنها فتحت منزلها للأطفال عام 2005، بعدما أسست جمعية “لا أطفال من دون مأوى” عام 2001.

وعن كيفية إقناع الأطفال بالعيش معها، تقول ألمندروس: “يحتاج الأطفال إلى مكان آمن وطعام صحي ونظافة وأصدقاء، وهذا ما عملت على توفيره لهم. إلا أن بعض الأطفال الذين أدمنوا على المخدرات، يرغبون في ترك البيت من أجل شرائها”.
يأتي إليها الأطفال في أوضاع مزرية. تقول: “عادة ما تكون ملابسهم ممزقة، يسيرون حفاة، ولا يغتسلون”. وتوضح أن بعض العائلات ترسل أطفالها إلى طنجة للعمل بسبب الفقر، فيما يهرب آخرون بسبب المشاكل العائلية والعنف الأسري. بعد استقبالهم، تعمل على تعليمهم كيفية التعامل مع الآخرين، بالإضافة إلى تنظيم حياتهم.

وإلى النشاطات التي يمارسها الأطفال، تقول ألمندروس إنها تأخذهم إلى المسرح والسينما بالإضافة إلى الشاطئ أو الجبل. تعترف أن الاعتناء بهؤلاء الأطفال ليس سهلاً. تقول: “أشعر بالوحدة أحياناً. ليس لدي مصدر مالي ثابت، كما أن الأوضاع في البلاد لا تساعد. أناضل للحصول على المال والاستمرار في العيش وبناء بيوت أخرى لإيواء الفتيات أيضاً. نحتاج إلى مساعدة من الحكومة والمنظمات الخارجية”. تلفت إلى أن رعاية يتيم أو مشرد تعني تأمين ثيابه وطعامه وإرساله إلى المدرسة”. تتابع: “أخاف أن يأتي اليوم الذي قد أضطر فيه إلى إغلاق باب البيت”.

وفي ما يتعلّق بالعقبات التي تواجهها في إدارة المأوى، تقول إن “قلّة من الناس يقدمون المساعدات. ربما يشعر البعض بالخوف”. في الوقت الحالي، تُحاول ألمندروس تدبير شؤون المأوى اقتصادياً من خلال جمع التبرعات، عدا عن حصولها على بعض المال من شبكة المؤسسات الإسبانية التي تشارك فيها، لسد احتياجات الأطفال الموجودين في البيت حالياً، وعددهم عشرة.
هشام التهامي (16 عاماً)، هو أحد الذين يعيشون في البيت. كان قد تربى في كنف عائلتين. بدايةً، تخلّى عنه والداه الأصليان، قبل أن تتبناه عائلة أخرى، تخلت عنه أيضاً. يقول إنه يتابع دراسته، ويضيف: “أفكر كثيراً بأمي وأبي المجهولين، لكنني أعيش وسط عائلة في البيت. جميعهم إخوتي هنا. تعلّمت الإسبانية، وأحب كتابة الشعر بالعربية والإسبانية. أحبّ السفر أيضاً، وأطمح أن أصير مغنياً للأطفال. حتى اليوم، سجلت عدداً من القصائد وقد أعجب البعض بإلقائي. حين أكبر، سأغادر المكان، لكن سأزوره دائماً”.

أما يوسف بوصوير (14 عاماً)، فيقول: “لدى قدومي إلى هذا المأوى، شعرت أن هذا المكان سيساعدني على تحقيق أحلامي. فبعد وفاة أمي، لم يعد أبي قادراً على تربيتي بسبب كبر سنه. طلبت منه إحضاري إلى هذا المأوى”. يتابع: “أريد أن أحقق حلمي وأصير لاعب كرة قدم. أذهب كل سبت وأربعاء إلى ملعب طنجة الكبير مع أصدقائي لنتمرن”. وحول المهارات التي اكتسبها من المأوى، يقول: “تعلمت الإسبانية وكسبت أصدقاء جدداً أتشارك معهم لعب كرة القدم. تعلمت كيف أرتب سريري وأطوي ملابسي والتفكير بالمستقبل”. يضيف: “ألمندروس أمي الثانية”.

تؤمن ألمندروس أن الأطفال يحتاجون إلى الحنان والحب. وإذا لم يجد أطفالها العاطفة، سيعودون إلى الشارع مجدداً. ربّت 45 طفلاً منذ عام 2005، منهم من عاد إلى عائلته بعدما تحسنت ظروفها، ومنهم من عاد إلى الشارع بسبب إدمانه على المخدرات، فيما بدأ آخرون مشاريعهم الخاصة، وما زال بعض الأطفال يعيشون في بيتها.

* العربي الجديد

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...