الإجهاض السري في المغرب.. ممرضة تروي شهادتها

في عيادات سرية وأخرى علنية وفي أقبية المنازل أيضا تجرى عمليات الإجهاض في المغرب وبشكل سري، ما يكلف الفتاة أو المرأة الحامل غاليا سواء ماديا أو صحيا. إذاعة هولندا العالمية حصلت على شهادة ممرضة تساعد في إجراء تلك العمليات بدعوى تقديم المساعدة.

عزالدين الهادف- إذاعة هولندا العالمية
في عيادات سرية وأخرى علنية وفي أقبية المنازل أيضا تجرى عمليات الإجهاض في المغرب وبشكل سري، ما يكلف الفتاة أو المرأة الحامل غاليا سواء ماديا أو صحيا. إذاعة هولندا العالمية حصلت على شهادة ممرضة تساعد في إجراء تلك العمليات بدعوى تقديم المساعدة.

عمليات سرية، لكن مربحة
ليلى* تشتغل ممرضة بإحدى المستشفيات العمومية للملكة المغربية، حديثة التخرج من معهد للتكوين في المجال الصحي والطبي. خلال فترة تكوينها كانت تسمع عن الفتيات اللواتي يقعن في الحمل مما يضطرهن لإجراء عمليات إجهاض سري في عيادات وأماكن معروفة ومتداولة بينهن، ولم يكن يخطر ببالها أنها ستصبح يوما هي من تساعد على إجراء ذلك النوع من العمليات. تقول ليلى في اتصال هاتفي مع إذاعة هولندا العالمية: “عملية الإجهاض كانت بالنسبة لي بمثابة خط أحمر، فهي حرام بموجب الدين الإسلامي وأيضا خطيرة لما يمكن أن ينتج عنها من مضاعفات قد تؤدي إلى الموت، كانت بمثابة كابوس مرعب يمكن أن تعيشه أي امرأة مغربية إن لم تتخذ كافة احتياطاتها”.

قبول ليلى المساهمة في إجراء ذلك النوع من العمليات جاء بعد اشتغالها بمدة، حينما اقترحت عليها إحدى زميلاتها القديمات بالمهنة تعويضها في أحد الأيام :” في البداية ترددت، لكن مع التعويض المجزي قررت التجربة خاصة مع الراتب الهزيل الذي نتقاضاه من الدولة مما يضطرنا للبحث عن موارد إضافية”. دخل ليلى عن كل عملية إجهاض يتراوح ما بين 3500 و 500 درهم (ما بين 350 و 50 يورو)، حسب طبيعة العملية والوقت اللازم لها، في البداية كانت تساعد مرة كل شهر ثم أصبحت اليوم تساعد مرتين إلى ثلاث في الأسبوع الواحد.

سوق لها شبكات ووسطاء
التعويضات التي تنالها ليلى هي بمثابة الفتات مقارنة بما يأخذه الأطباء الذين يجرون ذلك النوع من العمليات غير القانونية طبعا، فسوق الإجهاض يقدر رقم تعاملاتها السنوية بمليار و95 مليون درهم، أي أكثر من 10 ملايين يورو حسبما كشف تحقيق للبرنامج التلفزيوني “45 دقيقة” في إحدى حلقاته السابقة على القناة الأولى المغربية. هذا الرقم الضخم يأتي بسبب كثرة الطلب وقلة العرض، فحسب أرقام جمعية محاربة الإجهاض السري فإن حوالي 1000 حالة إجهاض تقع يوميا في المغرب، وهو الرقم الذي تؤكده ليلى بل وتضيف إنه قد يكون أكثر من ذلك بكثير.

فمن خلال تجربتها تقول ليلة إن مدينة الرباط وحدها تقع بها كل يوم ما بين 50 و100 حالة إجهاض سري يوميا في عيادات وأماكن معروفة ولدى أطباء معروفين ممن يجرون هذا النوع من العمليات. أطباء تتنوع تخصصاتهم ما بين التوليد وأمراض النساء وحتى أصحاب الطب العام. هؤلاء يساعدهم في ازدهار أعمالهم كما تؤكد ليلى لإذاعة هولندا شبكة من الوسطاء يتنوع أفرادها هم أيضا ما بين بوابي العمارات وحراس السيارات وخاصة الممرضات في العيادات والمستشفيات العمومية اللواتي ما إن يعثرن على حالة حتى يقمن بمدها بالعنوان المناسب مظهرات كل العطف والتفهم رغم أن الهدف تجاري ربحي محض.

كلما زاد الثمن… كلما زاد الخطر
العطف الذي يظهره الوسطاء يخفي رغبتهم الجامحة في مص دماء الضحايا ممن وقعن في الحمل واضطررن للتخلص منه بشكل سري لأن القانون المغربي يجرم عمليات الإجهاض بشكل واضح في القانون الجنائي، ويعاقب من يجريه سواء المرأة الحامل أو الطبيب بالغرامة المالية والسجن أيضا.

عمليات الإجهاض تكلف الضحية حسب ما تؤكد ليلى مبلغ 150 يورو، أي 1500 درهم، حينما يكتشف الحمل في أيامه الأولى. هذا المبلغ يأخذ في الارتفاع حسبما تضيف دائما الممرضة ليلى ليتحول إلى 2000 أو 3000 يورو حينما تصبح الحامل في شهرها الرابع، وهنا تؤكد ليلى أن هذا النوع من العمليات خطير جدا نظرا لما يمكن أن يسببه من مضاعفات قد تؤدي إلى الوفاة بسهولة وفي كثير من الأحيان: “الإجهاض السري عموما كله خطير، لكن بعض النوع من العمليات فيه خطورة أكبر، خاصة حينما يتقادم الحمل… هذا النوع من الإجهاض يتطلب ظروفا خاصة وقاعة مجهزة جيداً، الشيء الذي لا يتوفر في العيادات التي تجري الإجهاض السري، لأنها مجهزة بالأساسيات فقط، إضافة إلى عامل التسرع الناتج عن الخوف، كل هذا يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة جدا”.

خدمة إنسانية؟
رغم كل الخطر المتأتي من عمليات الإجهاض السري فإن ليلى تعتبره شرا لا بد منه بل ويتحول في أحيان كثيرة إلى خدمة إنسانية. الممرضة تتذكر فتيات كثيرات ممن وقعن فريسة لعدم احتياطهن وحملن، الشيء الذي أصبح يهدد حياتهن ومستقبلهن في مجتمع ذكوري لا يزال يعتبر غشاء البكارة وعذرية الفتاة بمثابة رمز لشرف القبيلة والجماعة والأسرة والعائلة ككل، وليس أمرا يخص المرأة وحدها.

أغلب هذه الحالات اللواتي تستقبلهن ليلى وتساعد على إجهاضهن يأتين مقتنعات ورغم التخوف والتردد الباديين على ملامحهن فإنهن يخضعن للعلمية بكل إرادتهن لأنهن يعرفن أن لا حل لهن سواها.
ليلى تحكي لإذاعة هولندا عن إحدى الفتيات التي ما إن انتهت عملية إجهاضها حتى بدأت تضحك وتدور حول نفسها غير مصدقة أن الحمل الثقيل الذي كانت تعاني بسببه من ضغوطات نفسية رهيبة قد تخلصت منه، تلك السعادة التي ظهرت على تلك الفتاة تجعل ليلى متيقنة من أنها إن وقعت هي الأخرى في حمل لا ترغب فيه ستلجأ إلى الإجهاض السري في انتظار أن تتفتح آذان المسؤولين ويخرجونه من الظلمات التي يجري فيها إلى النور فذلك أسلم للجميع، حسب رأيها.
• ليلى هو اسم مستعار للممرضة وتحتفظ إذاعة هولندا العالمية باسمها الحقيقي.

* تـُنشر هذه المادة في إطار الشراكة المعقودة بين المجلة الإلكترونية طنجة نيوز والقسم العربي في إذاعة هولندا العالمية.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...