وحده الشغف في البداية من قاد الشابة حسناء مرتوس ابنة منطقة جبلية بإقليم أزيلال لرياضة “الكانونيزم” أو رياضة المياه العذبة لتصير الشابة الوحيدة بالمنطقة التي تمارس هواية تسلق الجبال وعبور شلالاتها، شغف تطور بالاضمام رفقة شباب آخرين بالمنطقة لتعاونية محلية تنشط في هذا المجال الرياضي الواعد الذي يلقى إقبالا من طرف عشاق السياحة الجبلية.
كانت بداية هذا الشغف برياضة الكانونيزم، التي تنشط بإقليم أزيلال باعتبار مؤهلاته السياحية الطبيعية الخلابة، رغبة متقدة لفتاة قروية بسيطة تعيش في وسط أسرة تقليدية ومجال طبيعي تطغى عليه قساوة المناخ وصعوبة التضاريس ومعالم التهميش الاجتماعي، في إثبات ذاتها والخروج من روتينية الحياة اليومية التي تفرض حصارا على المرأة في مثل هذه المناطق، والانطلاق إلى مجال أرحب من أجل تحقيق طموح شخصي في التميز.
كانت تدرك صعوبة التحدي وحجم الإكراهات وتأثير المواضعات الاجتماعية والثقافية التي تقف أمام تحقيق أحلامها بممارسة رياضة يهمين عليها الرجال في بيئة منغلقة ومحافظة، غير أن إصرارها وتشجيع أسرتها كانا حافزين لها لاقتحام هذا المجال الذكوري بامتياز ، خاصة وأنها كانت متفوقة خلال مرحلة دراستها الإعدادية والثانوية ، رغم الإكراهات العديدة، من قبيل محدودية الإمكانيات وبعد المؤسسات التربوية عن منزل أسرتها.
هذا الوله سيتحول ، خلال مرحلة دراستها الجامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، إلى تجربة عملية حين ستنخرط في إطار تعاونية محلية تنشط في رياضة المياه العذبة (الكانونيزم)، التي تتمثل في مزاولة أنشطة رياضية عند مجرى وديان ومضائق الجبال الوعرة، باعتماد طرق مختلفة تبدأ بتسلق الجبال والنزول في منحدراتها ووديانها وعبور شلالاتها باستعمال أحبال، والمشي في مجرى النهر، والسباحة في بركه العميقة، ثم اكتشاف مغاراته في رحلة قد تدوم لساعات في محيط تضاريسي غالبا ما يكون صعبا، ويتطلب الكثير من المغامرة والتوفر على عدد من المهارات أبرزها السباحة والتجديف والتسلق باستعمال الحبال.
انخراط حسناء في هذه التعاونية المحلية “تعاونية تامغا للانشطة السياحية بقرية ايمي نوارغ بجماعة تينوفغيت” سيفتح لها الآفاق في البداية للاستفادة من تكوين في مجال تقديم الإسعافات الأولية والضرورية، أشرف عليه خبراء دوليون في إطار تعاون وشراكات دولية تستفيد من خلالها التعاونية المذكورة من دعم مالي لشراء معدات ذات الصلة بهذه الرياضات الجبلية، بهدف الترويج للسياحة الجبلية وتوسيع العرض السياحي المتعلق بهذه الرياضات، في إقليم أزيلال الذي يتوفر على مناطق جذب سياحي هامة لممارسة هذا النوع من الأنشطة، من بينها شلالات واخودان ومغارة واخودان التي تتميز بوجود نهر تحت أرضي يسير في مجرى نحو مضائق تامدة ووادي أحنصال، ثم مضائق عدة في محيط كل من جبل الكنيسة (1800 متر) وجبل أزوركي (3600 متر).
وفي لقاء مع وكالة المغرب العربي للأنباء أسرت حسناء ، التي تتأهب هذه السنة للحصول على شهادة الإجازة شعبة اللغة الفرنسية، أن تجربتها في إطار هذه التعاونية المحلية أكسبتها أولا دروسا في الحياة، جعلتها أكثر نضجا وانفتاحا على آفاق جديدة وعلاقات إنسانية متنوعة وغنية، من خلال التواصل والتفاعل الإنساني والثقافي مع عشاق هذه الرياضة الذين يقصدون هذه المناطق من مختلف مناطق المغرب والعالم للاستمتاع بسحر طبيعة أزيلال الخلابة.
كما تمكنت خلال تجربتها هذه من اكتساب خبرات وتقنيات تتعلق بهذه الرياضة الممتعة راكمتها خلال عدد من الدورات التكوينية التي استفادت منها في إطار برنامج للدعم والتأهيل بين كل من مديرية المياه والغابات ووكالة التعاون الألماني، بهدف دعم تطوير هذا النوع من الرياضات ذات الأهمية في تطوير السياحة القروية، حيث قامت المديرية بفتح عدد من مسالك الولوج على الأقدام لمناطق وعرة مثل محيط جبل الكنيسة وشلالات أيت تامجوط وغيرها.
وتقوم حسناء في إطار هذه التعاونية ، إلى جانب طاقم يتكون من خمسة أفراد ، باستقبال عشاق هذا النوع من الرياضات في مآوي قروية بالمنطقة، وباستعمال سيارات رباعية الدفع يتم نقلهم للجبال حيث يساعدهم مرافقون يتولون حمل الأمتعة والدعم في الطريق لحين انتهاء المغامرة بوجبة غذاء بطعم محلي من طاجين من الدجاج البلدي أو لحم الماعز في أحد منازل القرويين بالمنطقة.
ولئن كانت حسناء تعترف أن هذه الرياضة كانت حافزا قويا لانفتاح شخصيتها ومصدر دخل مالي لها يساعدها على تدبر شؤون حياتها ودراستها، فإنها في نفس الوقت تطمح إلى تطوير تجربتها للمشاركة في تظاهرات دولية وتعزيز انخراط النساء في هذا المجال، وكذا هيكلة هذه الرياضة ومأسستها ضمن الجامعة الملكية للرياضات الجبلية، حتى تتحول إلى عامل جذب سياحي لممارسي هذه الهواية ، ومقوما من مقومات إدماج النساء في الحركية المجتمعية، والمساهمة بالتالي في التنمية المحلية.