كوفيد-19 : إيطاليا تسابق الزمن لإنقاذ سياحتها بأي ثمن
تخوض إيطاليا سباقا ضد الزمن لإنقاذ سياحتها ، التي تعتبر دعامة أساسية للاقتصاد الوطني المنهك جراء تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد التي أدخلت هذا القطاع في نفق مظلم لا أحد يعرف نهايته.
ويواجه القطاع السياحي في إيطاليا ، الذي يدر على اقتصاد البلاد أرباحا سنوية تقدر بنحو 146 مليار أورو، أزمة خانقة بسبب حالة الطوارئ المعلنة جراء الوباء منذ التاسع من مارس الماضي ، والتي استدعت إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية وتوقف الخدمات والصناعات المرتبطة بهذا القطاع.
ويتوقع المسؤولون عن السياحة في شبه الجزيرة أن يتكبد القطاع، الذي يساهم بحوالي 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، خسائر جسيمة تصل إلى 7.4 مليار أورو في الفترة الممتدة من فاتح مارس الماضي إلى متم ماي الجاري، وفقدان نحو 31 مليون سائح أصبح شبه مستحيل استقطابهم هذه السنة رغم تحسن الوضع الوبائي في مختلف أنحاء البلاد.
ولتجاوز هذه الأزمة غير المسبوقة، قامت الحكومة الإيطالية التي تتعرض لضغوط متزايدة من قبل الفاعلين في صناعة السياحة، بتسخير كل الموارد المالية والطبيعية وابتكار حلول استثنائية .
وهكذا ، تراهن السلطات على السياحة الداخلية لكونها تدرك أن استقطاب سياح أجانب يعتبر هدفا ليس باليسير بسبب الحالة الوبائية . وفي هذا الصدد ، دعا رئيس الوزراء جوزيبي كونتي، أمس الخميس، الإيطاليين إلى اكتشاف جمال المناطق غير المعروفة في بلدهم من خلال قضاء عطلهم الصيفية في إيطاليا والاستفادة من الدعم الذي تقدمه الحكومة للأسر والذي يصل إلى 1500 أورو للعائلة الواحدة.
وقررت الحكومة كذلك دعم قطاع السياحة بغلاف مالي قيمته 4 مليار أورو بموجب مرسوم انعاش الاقتصاد، وذلك بهدف إنقاذ الفنادق ومؤسسات سياحية أخرى ذات صلة بالقطاع من الإفلاس وحماية الوظائف، في الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى أن نسبة البطالة سترتفع إلى حوالي 54 في المائة في صفوف العاملين في مجال تنظيم الرحلات ووكالات الأسفار وقطاع الخدمات السياحية.
وأكد رئيس جمعية “السفر وصناعة السياحة”، أنطونيو باريكا ، أن المؤسسات السياحية التي ستعيد فتح أبوابها ستشغل ، بسبب الحاجة لاحترام مسافة التباعد الاجتماعي، ما بين 30 إلى 35 في المائة فقط من طاقتها الاعتيادية.
ولاشك أن الاحترام التام للتدابير الوقائية من قبل الفاعلين في مجال السياحة، لاسيما الشاطئية منها، سيؤدي إلى رفع كلفة الاصطياف و الاستجمام هذه السنة بنسبة تتراوح ما بين 15 و 20 في المائة، بحسب رئيس الجمعية الإيطالية “للسفر وصناعة السياحة”.
وشجع باريكا الإيطاليين على القيام بحجوزاتهم، وأكد أن أرباب قطاع السياحة والفنادق ملتزمون بضمان تعويض الحجوزات بالكامل في حالة ما إذا جعل تطور الوباء الذهاب في إجازة أمرا مستحيلا.
ولتسريع الخطى نحو تعافي السياحة التي تمثل 15 في المائة من الوظائف في البلاد قررت إيطاليا فتح حدودها أمام السياح من الاتحاد الأوروبي اعتبارا من 3 يونيو القادم، وإلغاء الحجر الإلزامي للزوار الأجانب ، كما أعلنت وزيرة النقل الإيطالية ،باولا دي ميكيلي، أول أمس الأربعاء، أن بلادها ستبدأ في إعادة فتح جميع مطاراتها اعتبارا من بداية يونيو المقبل، وهي قرارات وصفتها بعض الدول الأوروبية ب”المجازفة” .
وفي هذا الإطار أكدت السلطات الإيطالية “استعدادها لاستقبال السياح الأوروبيين مع ضمان مستوى الأمان الذي يستحقون”.
ودعا وزير الخارجية ، لويجي دي مايو ،الألمان إلى تمضية إجازاتهم الصيفية في إيطاليا، وقال ” ندعوكم لزيارة شواطئنا وسواحلنا وبلداتنا الجبلية وتذوق أطباقنا. نحن مستعدون لاستقبالكم بابتسامة”.
ومحليا ،لجأت مناطق إيطالية، تعتمد إلى حد كبير على عائدات السياحة، إلى ابتكار أساليب جديدة لانعاش هذا القطاع، من ضمنها تقديم عروض مغرية لعودة السياح إليها، كما هو الحال في جزيرة صقلية التي أعلنت عن خطة تتضمن التكفل بنصف ثمن تذكرة الطائرة مع تحمل تكلفة إقامة ليلة واحدة في الفندق من بين كل ثلاث ليال يقضيها السائح بهذه الجزيرة، فيما أعدت الحكومة المحلية خطة بقيمة نحو 43 مليون أورو للنهوض بالسياحة.
وحتى لا تذهب جهود إيطاليا لجذب سياح أوروببين أدراج الرياح، حذر وزير الخارجية لويجى دي مايو ، الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من خطورة تبنى اتفاقات ثنائية لفتح الحدود ودعا إلى اتفاقيات جماعية.
واعتبر رئيس الدبلوماسية الإيطالية أنه “من غير المقبول وجود قوائم سوداء بين دول الاتحاد الأوروبي.. إذا لم نغير هذا التوجه، فستكون هناك آثار اقتصادية خطيرة على قطاع السياحة في جميع البلدان الأوروبية، وليس فقط في إيطاليا فقط”.
هذا الموقف لا تتقاسمه بعض دول الاتحاد مع روما التي قرّرت حسب البعض “المجازفة” في تسريع إجراءات الانفتاح لمنع انهيار سياحتها، ما جعل أنظار أوروبا تتجه نحو “مغامرة” إيطاليا بكثير من الترقب والحذر وسط مخاوف من موجة ثانية للفيروس.
وفي الوقت الذي يحث فيه الاتحاد الأوروبي على توخي أكبر قدر من الحذر، تستشرف إيطاليا المستقبل بالكثير من التفاؤل والأمل في غد أفضل تنتصر فيه على عدو غير مرئي.