الألعاب الشعبية في طنجة… هل انتهى زمن ‘البومبات’ و’الطرومبة’ فعلا؟

كلنا أمضينا طفولتنا بعيدين عن الألعاب الإلكترونية وألعاب الكمبيوتر التي تملأ البيوت والمحلات اليوم، فلا يكاد يخلو شارع في طنجة حاليا من محل أو أكثر لهذه الألعاب التي تجلب عددا كبيرا من الأطفال الذين يلصقون أعينهم بالشاشة التي تحمل إليهم صورا ملونة مت
كلنا أمضينا طفولتنا بعيدين عن الألعاب الإلكترونية وألعاب الكمبيوتر التي تملأ البيوت والمحلات اليوم، فلا يكاد يخلو شارع في طنجة حاليا من محل أو أكثر لهذه الألعاب…

التي تجلب عددا كبيرا من الأطفال الذين يلصقون أعينهم بالشاشة التي تحمل إليهم صورا ملونة متحركة يتحكمون فيها كما يريدون. فما سر هذا الإقبال الكبير؟

ربما يطول الحديث والتدقيق في هذا الأمر، لكن قد يكون من بين التفسيرات أن الطفل – أي طفل – لديه دائما رغبة في إثبات تفوقه وقدرته على السيطرة على الآخرين، خصوصا إذا كان هذا الطفل يعاني من الاضطهاد من طرف أسرته التي قد تنعته بالغباء أو الجبن أو تقوم بتفضيل أحد أخوته عليه. هذا الاضطهاد يولد لدى الطفل رغبة كبيرة في إثبات عكس ما يظنه الآخرون وأنه قادر على الانتصار والتفوق. وهو لن يجد أفضل من الألعاب الإلكترونية لتفريغ تلك التراكمات النفسية، فيتخيل – مثلا – أنه يصارع أحد أقرانه الذي يضايقه أو حتى أخاه الذي يضايقه . وكلما فشل في تحقيق مبتغاه (الانتصار) أعاد اللعب من جديد إلى أن ينتصر، فيشعر براحة نفسية غالبا ما تكون كاذبة ومؤقتة، فيعود مرة أخرى إلى اللعب وهكذا دواليك. هذا دون إغفال ميل بعض الأطفال للعنف دون سبب محدد، وهؤلاء – أيضا – يقبلون بكثرة على هذه الألعاب. مع الإشارة إلى أن الألوان والشخصيات المحبوبة هي عامل جذب مهم بالنسبة للبقية الباقية من الأطفال الذين لا يعانون مما سبق ذكره.

على أنه من الواضح أن الألعاب الشعبية التي عايشتها الأجيال السابقة تبقى الأجمل والأكثر راحة بالنسبة للطفل. فبغض النظر عن الأمراض الكثيرة التي قد يسببها الجلوس لساعات أمام ألعاب الكمبيوتر من ضعف نظر وتشنجات عصبية، فإن فوائدها تبقى قليلة، بينما تمنحنا الألعاب الشعبية طفلا اجتماعيا بطبعه (أغلب هذه الألعاب يمارسها أكثر من شخصين)، وتعود الطفل على المنافسة المباشرة مع أقرانه على عكس الألعاب الإلكترونية التي تعود الطفل على الوحدة والانطواء.

وبعيدا عن كل النظريات، نلاحظ أن جل الألعاب الشعبية التي استمتعنا بها في طفولتنا في طنجة أصبحت نادرة جدا، ولا يمارسها إلا القليل من الأطفال إما بسبب ظروف مادية خانقة، أو لأنهم يجدون فيها متعتهم فعلا.

إعلان

ونعرض هنا لمجموعة من الألعاب التي لازال صدى ذكرياتها يجول بالخواطر ولن ينساها ذلك الجيل حتى لو ظهرت بلايستايشن ثلاثية الأبعاد أو بتقنية الواقع الافتراضي:
“الغميطة” :هي لعبة يقوم المتنافسون فيها بالاختباء لمن يقع عليه الاختيار (بعد قرعة عادلة)، وعلى “الباحث” أن يجد المختبئين، ولكي ينجو المختبئون من أداء دور الباحث عليهم أن يصلوا – دون أن يراهم – إلى المكان الذي يغمض فيه عينيه ويقول بصوت عال:” طفونا”. أما أول من يوقعه سوء حظه تحت أعين الباحث، فهو من يقوم بهذا الدور وهكذا .
“البمبات”: وهي كرات زجاجية صغيرة ، بحجم حبة الكرز تقريبا ، مزخرفة أو ذات لون واحد ، وعلى اللاعب في هذه اللعبة أن يصيب كرة منافسه بواسطة كرته وبطريقة رمي خاصة يستعمل فيها السبابة والإبهام فقط ، ثم يدخلها – الكرة – في حفرة يتم إعدادها خصيصا للعبة، فيكسب بذلك كرة زميله.

” الطرومبة “: وهي قطعة خشبية مخروطية الشكل تنتهي في آخرها برأس معدني حاد يسمى ” النبال “، ولاستعمالها يقوم الطفل بلف خيط خاص عليها بطريقة دائرية انطلاقا من “النبال” حتى آخرها، ثم يقوم برميها لتدور بسرعة كبيرة، وهناك عدة طرق للممارسة الجماعية لهذه اللعبة.

” الجري” : وتحتاج إلى عدد يفوق الثلاثة من المتنافسين ، حيث يتم اختيار واحد – دائما بالقرعة – لـ” يلاحق ” الآخرين جريا، ومن يمسك به أولا يكون عليه القيام بالدور، وهي أيضا تمارس بطرق متعددة .
الحبل أو ” اللاّستيك “: وهي لعبة أنثوية محضة ، تمارسها الفتيات، ويقمن أثناءها بالقفز على حبل مزدوج بطرق عديدة، ومن النادر جدا أن يمارس الأطفال الذكور هذه اللعبة.

هذه بعض الألعاب، وليست كلها، التي بدأت تختفي تدريجيا من طنجة ومن المغرب ككل، وقلما أصبحنا نشاهدها في شوارعنا أو حتى بيوتنا. فالغزو الإلكتروني جعل الأطفال – اليوم – أكثر سلبية وتكاسلا، مع العلم أن المتعة التي تمنحها الألعاب الشعبية كبيرة ولا تضاهيها متعة أخرى حتى ولو كانت من صنع شركات عالمية؛ لهذا نتمنى – بحنين جارف – أن تعود هذه الألعاب إلى بيوتنا، فضجيج الأطفال وصراخهم أكثر حميمية من تلك الأصوات المعدنية التي تصدرها الألعاب الإلكترونية. لكن هذا لا يمنع – طبعا – من تخصيص وقت لهذه الألعاب لمتابعة التقدم التكنولوجي، وإلا دخلنا – من جديد – في دوامتنا الأزلية.. دوامة التوفيق بين التشبث بالتقاليد وملاحقة التقدم العلمي والتكنولوجي.

إعداد: عبد الواحد استيتو


قد يعجبك ايضا
جار التحميل...