كريمة زبير.. شابة خلف الكاميرا تحدث شقوقا في جدار الذهنية الذكورية
كريمة زبير، مخرجة سينمائية مغربية شابة شغوفة بالسينما، وبالأفلام التسجيلية بالأساس، بدأت قبل بضع سنين مغامرتها في عالم السابع، جاعلة من الكاميرا مسمارها الأثير الذي تحدث به شقوقا في جدار الذهنية الذكورية التي تكرس النظرة الدونية للمرأة.
طنجة نيوز (عبد اللطيف أبي القاسم) و.م.ع
كريمة زبير، مخرجة سينمائية مغربية شابة شغوفة بالسينما، وبالأفلام التسجيلية بالأساس، بدأت قبل بضع سنين مغامرتها في عالم السابع، جاعلة من الكاميرا مسمارها الأثير الذي تحدث به شقوقا في جدار الذهنية الذكورية التي تكرس النظرة الدونية للمرأة.
كانت زبير طالبة في شعبة القانون الخاص بكلية الحقوق بالدار البيضاء، التي تخرجت منها سنة 2002، حين بدأت تتردد على ورشة أسبوعية حول الإخراج والكتابة التسجيلية يشرف على تأطيرها المخرج علي الصافي بمدرسة الفنون الجميلة بالعاصمة الاقتصادية، دون أن تدرك أنها كانت تتلمس الطريق إلى عالم السينما حيث ستصبح رفيقة للكاميرا “تفضح” بها، أساسا، بعض السلوكيات الاجتماعية ذات الخلفية الثقافية التي تسيء لبنات حواء.
ولعها بالسينما بدأ وهي في مقتبل العمر تقرأ روايات الأديبين إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ذوي القدرة الخارقة على السرد البصري، حيث تصنع في مخيلتها مشاهد متحركة لما تقرأه لهما. هذه المخيلة السينمائية وإعجابها بما حصلته خلال الورشات الأسبوعية إياها جعلها تتابع بعد تخرجها من كلية الحقوق، دراسة أكاديمية في هذا المجال حيث حصلت فيما بعد على إجازة تطبيقية في تخصص السمعي البصري بكلية ابن امسيك بالدار البيضاء سنة 2005.
تقول زبير في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، على هامش مشاركتها في مهرجان أفلام النساء الإفريقيات بدكار، “كنت مهتمة بالأفلام التسجيلية. لطالما آمنت أن هذا النوع من الأفلام حول المغرب يجب أن يتصدى له مخرجون مغاربة لا الأجانب فقط. نحن من يجب أن نصنع أرشيفنا الخاص بنا. ونحن من يجب أن نسلط الضوء على مشاكلنا”.
مسيرة التكوين في المجال السينمائي لن تتوقف بالنسبة لزبير عند هذا الحد، ذلك أنه تم انتقاؤها في نونبر لمتابعة دروس “ماستر كلاس” يشرف على تأطيرها المخرج السينمائي الأمريكي، مارتان سكورسيزي، والمخرج السينمائي الإيراني عباس کیارستمي.
ومنذ فيلمها التسجيلي الأول “امرأة وكاميرا” (نونبر 2012)، بدا واضحا أن الشابة زبير “تعلن الحرب” على الصور النمطية المسيئة التي تكرسها الثقافية الذكورية للمرأة. ففي هذا الفيلم الذي شارك في مهرجانات دولية ووطنية عديدة، ونال العديد من الجوائز، حرصت زبير على إبراز معاناة المرأة على واجهتين اثنين.
وتتمثل هاتان الواجهتان في كون بطلته الواقعية، خديجة، هي من جهة، امرأة مطلقة، وأم لطفل، تعوله وتعول معه أمها وأخاها “البالغ الكبير”، كما أنها من جهة أخرى، تعمل “مصورة أعراس ومناسبات اجتماعية” مما يفرض عليها الاشتغال ليلا. وهو الأمر الذي ظل يثير عليها انتقادا من أسرتها بالدرجة الأولى، بسبب الصورة التي يقرن بها البعض النساء المطلقات، والنساء اللواتي يشتغلن ليلا، رغم كفاحهن المستميت من أجل تحصيل استقلال اقتصادي.
وفي تجل بارز للنجاح الذي حققه فيلم (امرأة وكاميرا)، تبرز الجوائز العديدة التي نالها، ومن ضمنها جائزة العمل الأول بالمهرجان الدولي للسينما الاثنوغرافية بجين روش بباريس (نونبر 2014)، وجائزة أفضل وثائقي في مهرجان “سينيميد” بفرنسا (نونبر 2013)، وجائزة (فيدادوك) لحقوق الإنسان بأكادير (2013)، وجائزة “تمكين” لأفضل مشروع فيلم تسجيلي عربي بمهرجان دوكس بوكس لأيام سينما الواقع بدمشق (2011).
تبدو زبير فخورة وهي تتحدث عن فيلمها الأول الذي يعرض الكفاح اليومي الذي تخوضه النساء لنيل حقوقهن، حيث لقي إقبالا كبيرا وتم عرضه على القناة الثانية (دوزيم)، وعلى قناة الجزيرة الانجليزية، وقناة الراي الإيطالية.
هذا الاهتمام بالمرأة، جعل الشخصية الرئيسية في ثاني أعمالها، الفيلم القصير (خلف الجدار 2016)، أنثى أيضا. وفي هذا تقول “يصعب علي أن أجعل الشخصية الرئيسية في أفلامي رجلا.. سواء كانت هذه الشخصية واقعية (امرأة وكاميرا) أو متخلية (خلف الجدار).. أجدني مرتاحة أكثر في التطرق لقضايا المرأة”.
ويروي فيلم “خلف الجدار” حكاية طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات تقطن بهوامش مدينة الدار البيضاء، وتعيش مع والديها في حي صفيحي يفصله جدار عن خط للسكك الحديدية. ويصور الفيلم استعداد هبة لولوج المدرسة وما تحمله هذه الأخيرة من أحلام جميلة ومسلكا لتحقيق أمنياتها الشخصية والاجتماعية والأسرية، فيما تسعى أسرتها إلى حمايتها من كل مكروه بسبب المخاطر التي توجد “خلف الجدار”.
وحصل الفيلم القصير “خلف الجدار” في أبريل 2017، على تنويه خاص من لجنة مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة في مصر.
في عملها كمخرجة، تقول زبير إن هناك مشكلة أساسية تعترضها. ويتعلق الأمر بمحدودية الموارد المادية التي تمول بها أفلامها. “أطرق الكثير من الأبواب من أجل تمويل مشاريعي.. وحتى عندما أجد جهات ممولة، فإن حجم الدعم يكون متواضعا. هذا عائق حقيقي بالنسبة لي”.
وتوضح زبير أن “بعض المؤسسات التي تعنى بتمويل المخرجين الشباب تتفاجأ عندما ترى أن حجم الميزانية التقديري الذي نقدمه كبير مقارنة مع مخرجين من دول عربية أخرى. وتضطر تبعا لذلك أن تمنحنا نفس الدعم دون مراعاة للفوارق في أجور التقنيين على سبيل المثال”.
تعتبر زبير أن المرأة المغربية حققت منجزات مهمة في تكريس حقوقها، لكنها مطالبة بمزيد من النضال لتعزيز هذه الحقوق. فحضور المرأة في المجال السياسي مثلا قد تعزز بالفعل بفضل “الكوطا”. “لابأس في اعتماد الكوطا كحل مؤقت” تقول زبير، لكن أعتقد أن على النساء أن تشتغلن على تعزيز الكفاءة أكثر، وإعطاء النموذج من أجل تحفيز الرجال والنساء على حد سواء للتصويت على النساء في المحطات الانتخابية”. تقول زبير “بالكفاءة فقط يمكن أن نسمع صوتنا بشكل أكبر”.
هي إذن معركة إسماع الصوت وفرض الوجود تقول زبير إن على بنات جنسها الانخراط فيها بشكل أكبر. وهي من موقعها كمخرجة سينمائية، تؤكد أنها تسعى بكاميراها إلى إحداث شقوق في جدار العقلية الذكورية والتمثلات الثقافية التي ترهن النساء لقيود بالية لا علاقة لها بالدين، وتحرمهن من التمتع بحقوقهن كاملة. وتساعدها في هذه المعركة ثقافتها الحقوقية التي تترافع بها في المنتديات والمهرجانات الوطنية التي تشارك فيها لفائدة المرأة، وإصرارها المستميت على الإسهام في النضال حتى يسقط الجدار.