سارع سارع.. أنت البارع!!

صدق من قال أن هذا العصر هو عصر السرعة عن جدارة. لكن السرعة تختلف من مكان إلى مكان، وتختلف بالتالي أسبابها ونتائجها. ففي الوقت الذي تتجلى فيه السرعة في الغرب في كل ماهو مفيد من قطارات عالية السرعة وصواريخ تخترق الغلاف الجوي في ثوان إلى محاولات لتجرية
صدق من قال أن هذا العصر هو عصر السرعة عن جدارة. لكن السرعة تختلف من مكان إلى مكان، وتختلف بالتالي أسبابها ونتائجها.

ففي الوقت الذي تتجلى فيه السرعة في الغرب في كل ماهو مفيد من قطارات عالية السرعة وصواريخ تخترق الغلاف الجوي في ثوان إلى محاولات لتجرية الانتقال الآني، كي تصبح عملية التنقل من طنجة إلى نيويورك مثلا تتم في ثانية واحدة عن طريق نقل ذرات الجسد من مكان إلى مكان قبل أن يرتد إلى أحدنا طرفه.

نعود من نيويورك على وجه السرعة إلى طنجتنا العزيزة لنسأل أنفسنا: لماذا نسرع في طنجة؟

هنا، نسرع كي لا يسبقنا أحد إلى التاكسي الصغير، حتى لو كان الشارع خاليا تماما ولا يوجد منافس. يتوقف التاكسي على بعد أمتار فنعدو نحوه محطمين رقم الجامايكي “بولت” في مسافة 100 متر. وإن تقدم أحد وسألنا لماذا نجري فسنكتفي بنظرة حائرة كجواب.. “واللهم نعراف”!

هنا نسرع بسياراتنا لنتجاوز الآخرين الأوغاد الذين خرجوا من بيوتهم فقط كي يسبقونا. إلى أين؟ لا أحد يعلم للأسف الشديد. في الغالب، سنصطف جميعا أمام إشارة المرور الحمراء ويصبح أولا عبد الواحد كلهم واحد. ( ماشي عبد الواحد استيتو طبعا!).

هنا نتسابق على الخبز في المخبزة رغم أن خير ربي موجود ويكفي الأمة كلها، لكننا لا نتوقف عن دفع بعضنا و الدوس فوق الأحذية كي نخطف الخبز من الآخرين، وكأننا سمعنا مناديا ينادي أن هذه هي آخر أيام الخبز في دنيانا و سيغادر إلى غير رجعة.

إعلان

نتسابق للدخول إلى المكتبة لعمل الفوطوكوبي ونمد أيدينا جميعا بالأوراق في نفس الوقت والكل يعلن أنه متعجل جدا ومن المحتمل أن يموت أكثر من ألف شخص إن لم يتم نسخ أوراقه هو الأول. ما يحدث بعد هذا أن صاحب الأوراق يصيبه الكسل الطنجاوي ويقرر أن الأوراق التي كان يعدها من أجل جواز السفر قد أرهقته، لهذا يؤجل الأمر كله حتى حين.. “وعلاش مدحس معانا أخاي؟!”

حتى في بيت الله نتسابق للخروج، و حدث لي شخصيا أن انطلقت أعدو لا ألوي على شيء عندما صليت منذ سنوات في أحد المساجد الكبيرة لأول مرة، وعندما أنهى الإمام الصلاة ابتدأ المارثون الدولي السابع والعشرون وانطلق المصلون في وقت واحد. وأقسم أنني اعتقدت أن شيئا رهيبا حدث وأن المسجد موشك على الانهيار مثلا، قبل أن أكتشف متأخرا أن الأمر يتعلق فقط بالخوف على الأحذية من السرقة، فالكل يجري نحو حذائه قبل أن يعزوه فيه.

هنا نتسابق صباح مساء في أبسط الأشياء ونتجاوز بعضنا، ماشين وراكبين، ونكره أن نجد أحدا يقف في طريقنا أو يحاول أن يصل قبلنا أو أن يقضي غرضه قبل أن نفعل نحن.

هنا لا نستعمل السرعة إلى في أتفه الأشياء، وهمنا الأول و الآخر هو “الآخرون”. لن يصلوا قبلنا إلا على جثثنا.. “بينا ولا بيهوم”!!

صدقت يا سارتر : الآخرون هم الجحيم!

خصوصا عندما يدوسون حذاءك في المخبزة.

عبد الواحد استيتو
stitou1977@yahoo.com

http://stitooo.blogspot.com

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...