دون رهبة وبثقة كبيرة يجلس أمام الكاميرا. بين يديه ملف أحمر لا يفارقه. بلغة بسيطة وبتلقائية يشرع في سرد تفاصيل قصة جديدة من قصصه البوليسية المشوقة. هكذا يطل الضابط المتقاعد عبد القادر خراز كل يوم على متابعيه عبر موقع “يوتيوب”.
“أول مرة كنت فيها وجها لوجه أمام كاميرا، استغرب المخرج وسألني عن السر وراء قدرتي على الحديث بعفوية وبدون ارتباك أمام الكاميرا، كان جوابي حينها أنني اعتبر الكاميرا بمثابة شخص أجالسه وأتحدث معه بشكل مباشر وبدون حاجز يقف بيني وبينه”، يحكي عبد القادر خراز لـ”سكاي نيوز عربية” عن وقفته الأولى أمام الكاميرا.
وتلقى الفيديوهات اليومية التي يسرد فيها الضابط السابق، قصصا بوليسية، ملايين المشاهدات على منصتي “يوتيوب وفيسبوك”، وكلها قضايا عمل الضابط على فك خيوطها خلال مساره المهني، أو اشتغل عليها زملاء سابقون له.
ويعبر أغلب متابعي فيدوهاته اليومية عبر تعليقاتهم، عن إعجابهم بأسلوبه الممتع والذي يتميز بالعفوية في نقل أحداث تنبع من عالم الإجرام والمجرمين، خلال فترة عمله في مختلف أسلاك الشرطة المغربية، على امتداد 40 عاما.
التوعية والإفادة
“قبل التقاعد وعندما كنت أعمل في سلك الشرطة، كنت ألاحظ دائما أن الناس عادة ما يقعون بسهولة ضحايا قضايا تتكرر دائما بنفس الطريقة، وهو ما دفعني للتفكير في البحث عن طريقة للمساهمة في توعية المواطنين وإطلاعهم على كل التفاصيل التي يعتمدها المجرمون للإيقاع بهم، حتى لا تتكرر معهم أخطاء ضحايا سابقين، ولا يتحولوا إلى فريسة سهلة في يد المجرمين”، يبرز خراز دوافعه لسرد أحداث القصص البوليسية على “اليوتيوب”.
انطلق الضابط المتقاعد في أول فيدوهاته من قضايا اجتماعية، إلا أن أول قصة جريمة تطرق إليها، شكلت فارقا بالنسبة له ولاقت انتشارا واسعا، حيث شرع بعدها في عرض مزيد من القصص من هذا النوع.
يقول خراز: “بعد الصدى الإيجابي الذي حظيت به حلقتي الأولى عن الإجرام على اليوتيوب، وما حصدته من أرقام مشاهدة مرتفعة، تبين لي حينها مدى تعطش المغاربة لهذا النوع من القصص، ومللهم من البرامج غير الهادفة، وهو ما حفزني على الاجتهاد أكثر وعرض المزيد”.
وأضاف: “مع انتشار الفيدوهات بشكل أكبر، ازداد عدد المتابعين، وكان التحدي أمامي دائما هو خروج المشاهد باستنتاج واحد مفاده أنه لا مفر من العقاب عند ارتكاب أي جريمة وتحسيسه بضرورة الالتزام باحترام القانون، كما أن تلك الحلقات كان لها دور في مصالحة الجمهور مع المؤسسة الأمنية”.
وتابع:” أضحى الناس يعلمون مدى العناء الذي يتكبده رجال الأمن في التصدي للمجرمين وفك لغز القضايا الإجرامية”.
الإدمان على متابعة “خراز”
تحولت مشاهدة المتابعين للمحتوى الذي يقدمه خراز، إلى إدمان يومي لدى الكثيرين حسب تعليقاتهم. يتذكر أنه عندما ألم به مرض ودخل المستشفى، كان بعض الناس يسألون عن حالته الصحية باستمرار، فيما كان البعض الاخر يسأل عن موعد عودته لمواصلة عرضه قصصا جديدة.
يقول خراز: “فترة الحجر الصحي كانت بالنسبة للكثيرين سجنا موقوف التنفيذ، حيث كان متوقعا معها أن يزداد الإقبال على مشاهدة التلفزيون واليوتيوب، وهذا ما دفعني خلال تلك الفترة إلى قطع وعد للمشاهدين بعرض حلقة جديدة كل يوم، غير أنني لم أكن أتوقع أن ذلك سيتطلب جهدا مضاعفا، ويأخد مني وقتا كبيرا”.
ويستطرد: “المغاربة يميلون إلى العفوية والتلقائية عوض التصنع، وهو ما يفسر إقبالهم الكبير على ما أقدمه من محتوى، حيث يبقى كل همي حاليا، الوفاء بالوعد الذي قطعته مع نفسي ومعهم، بتقديم المزيد من القصص التي تختزن الكثير من العبر”.
وأردف قائلا: “أحاول دائما التعامل بانتقائية في اختيار القضايا التي أتناولها في فيدوهاتي، من أجل استفادة المشاهدين من دروس تقدمها هذه القصص، ومحو بعض الصور النمطية المرتبطة عادة بالجرائم، والحذر من أي شخص مهما كانت مكانته داخل المجتمع”.
التقاعد.. بداية الشهرة
“التقاعد بداية مشوار لعطاء جديد”، يقول خراز، ويشدد على أن “العمل والإنتاج لا يرتبط بعمر الإنسان، ومدام الشخص يؤمن بقدرته على العطاء المستمر فإنه يكون قادرا على النجاح والتألق”.
ويضيف: “رغم بلوغي سن التقاعد كنت ومازلت أفضل مجالسة الشباب لكونهم أكثر انفتاحا من غالبية المتقاعدين الذين يعشون منغلقين على أنفسهم، وتسيطر عليهم الكثير من الأفكار السلبية”.
وحصد خراز في الآونة الاخيرة شهرة كبيرة وسط المغاربة. وفي هذا الشأن يقول “أعتبر الشهرة شيئا ثانويا، وما يهمني هو المساهمة في توعية المجتمع وما يسعدني أكثر هو -الحسنة- التي أجنيها جراء عملي هذا” .
يردف خراز: “إلى حدود اليوم وبالرغم من الشهرة التي اكتسبتها، لا أشعر بأن سلوكي تغير سواء من المقربين أو البعيدين من الناس، وأكره الظهور بمظهر النجم في الشارع خصوصا أمام من كان لهم الفضل في شهرتي”.
ومن بين المواقف والطرائف التي يحكي عنها خراز بعد شهرته، أنه “يبادر بالحديث مع أشخاص يتعرفون عليه في الشارع ويستحون من التقرب منه والتكلم معه، فيفتح نقاشات معهم بروح من الدعابة المعروفة لديه ويطلب أخد صورة معهم، وهو ما يزيل التكلف بينه وبين جمهوره في الشارع”.