تعتبر ذكرى عاشوراء بإقليم شفشاون، التي تصادف العاشر من محرم، حدثا استثنائيا لدى الساكنة، إذ تقام لها احتفالات تدوم أكثر من ثلاثة أسابيع، فهي مناسبة سنوية تنتظرها بشغف جل الأسر الشفشاونية لمشاطرة لحظات فرح بين الصغار والكبار وتبادل الهدايا وتجديد العادات والتقاليد.
ويتشبث الشفشاونيون بتقاليد وعادات توارثتها الأجيال عن الآباء والأجداد وعن السلف الصالح، وهي خاصية تمتاز بها المناطق الجبلية، وتميزها عن غيرها من المناطق المغربية، ويغلب عليها طابع التشبث بالأصالة المغربية والأندلسية العريقة.
وتعتبر هذه المناسبة فرصة للتضامن والتآزر والتكافل، تؤكد من خلالها ساكنة القرى المجاورة على حرصها على حضور الاحتفالات التي تنطلق ابتداء من العاشر من محرم، فيحجون إلى المدينة بزيهم الجبلي، وتزدان القرويات في حواري المدينة مدثرات بمناديل حمراء ومعتمرات لقبعات مزركشة بألوان زاهية.
وتعرف هذه الفترة من السنة إقبالا متزايدا من طرف الأطفال والكبار على الألعاب الترفيهية، المسماة محليا ب (الفريا)، كما يقام سوق شعبي بالساحة الكبرى للمدينة، حيث تنصب فيه الأروقة لعرض منتوجات مختلفة، من الأثاث المنزلي إلى الآلات الإيقاعية ولعب الأطفال وحلويات (القشقشة) والمكسرات وغيرها.
في هذا الإطار، أكد الباحث في تراث وأعلام شفشاون، محمد ابن يعقوب، في تصريح لوكالة المغرب العربي أن “الاحتفال بعاشوراء لازال يخلد في شفشاون إلى اليوم بذات الزخم الذي كان عليه أيام زمان” ، مشيرا إلى أن “مدة الاحتفال الآن تتجاوز خمسة عشر يوما يحج خلالها إلى المدينة سكان القبائل المجاورة والتجار من كل الآفاق”.
ويرى الباحث أن الاحتفال بعاشوراء كان يجد بهجته داخل منزل كل أسرة من خلال اجتماع الأطفال والكبار لتناول الفواكه الجافة والحلويات التقليدية (جبان، الكتان، الكاكاو والزنجلان …).
ويضيف الباحث أن من الطقوس التي اعتادت الأسر الشفشاونية على ممارستها في يوم عاشوراء أنها كانت “تجعل من ذيل الأضحية المجفف (القديد) غذاءها في هذا اليوم، كأنها بذلك ترمز إلى وداع عيد الأضحى المنصرم”، معقبا أن هذه “العادة ما زالت موجودة عند قلة من الأسر بالمدينة”.
وفي معرض حديثه عن أهم التحولات التي شهدها الاحتفال بعاشوراء بشفشاون بين زمنين، أشار الباحث أن ساحة وطاء الحمام بالمدينة العتيقة كانت تحتضن في الماضي جل طقوس الاحتفالات، حيث تنصب خيام التجار وتقام الأراجيح التقليدية المعروفة باسم “نواعير القلعة”، نسبة إلى قرية تحمل الاسم ذاته غير بعيدة عن المدينة، موضحا هذه القرية عرفت بصناعة هذه الأراجيح وتشغليها، وهي عادة اندثرت مع الوقت.
في السياق، أبرز ابن يعقوب أن “فضاء وطاء الحمام كان يحتضن المعروضات التجارية من لعب وحلوى ومكسرات ودفوف (بنادير وتعاريج) والخزف والأواني المنزلية والأحذية والملابس وبعض البضائع التي يكثر عليها الطلب في هذه المناسبة”.
وتابع ابن يعقوب، الذي صدرت له عدة مؤلفات حول الذاكرة الشعبية لإقليم شفشاون، أن الاحتفال كان يبلغ ذروته يوم عاشوراء حيث تكتظ ساحة وطاء الحمام عن آخرها بالمحتفلين والتجار والمتبضعين والباحثين عن الترفيه ومنشطي الحلقات والحكواتيين والمطربين الشعبيين والحواة ومروضي الحيوانات، بل حتى اللصوص والمحتالين والمشعوذين.
واعتبر أن ساحة وطاء الحمام في عاشوراء كانت تعتبر مسرحا لأنواع شتى من فن “الحلقة الشعبية”، التي ينشطها الحواة أو الحكواتيون أو البهلوانيون والمهرجون أو محترفو ألعاب الخفة والمقامرون بلعبة الأوراق والنرد والدومينو.
وعرج الباحث في حديثه عن الجانب الروحي لهذه المناسبة، حيث اعتبر أن يوم عاشوراء “مناسبة للصيام التطوعي، حيث يقبل الكبار على صيامه لما ورد في الأثر من فضائل صيامه، كما أنه مناسبة يلتف فيها أفراد الأسرة مساء على مائدة الإفطار”.
وخلص الباحث إلى التذكير بأسطورة بائدة تزعم أن سكان المدينة كانوا يعتقدون قديما أن مياه بئر زمزم تفيض على شفشاون عصر يوم عاشوراء فيغتنم السكان الفرصة للشرب والنظافة والتبرك، موضحا أنه “زعم لم يعد الكثيرون يؤمنون به بحكم تطور العقليات”.