معبر باب سبتة المحتلة.. القنبلة الموقوتة

وضع خطير جدا لا يمكن التغاضي عنه، ذلك الذي أصبح يعيشه معبر باب سبتة المحتلة، منذ أشهر بعد أن أصبح وجهة لآلاف من المهربين الجدد القادمين من مختلف المدن المغربية، ممن يتمكنون بقدرة قادر من الحصول على شهادات سكن بالمنطقة، وبالتالي استخراج جوازات سفر تمك

طنجة نيوز – مصطفى العباسي – أحداث.أنفو
تهريب معاشي يتحول لتهريب بورجوازي وشبكات منظمة تسيطر على دواليب الأمور بالمعبر
وضع خطير جدا لا يمكن التغاضي عنه، ذلك الذي أصبح يعيشه معبر باب سبتة المحتلة، منذ أشهر بعد أن أصبح وجهة لآلاف من المهربين الجدد القادمين من مختلف المدن المغربية، ممن يتمكنون بقدرة قادر من الحصول على شهادات سكن بالمنطقة، وبالتالي استخراج جوازات سفر تمكنهم من العبور والدخول للثغر المحتل، دونما حاجة لتأشيرة وهو مبتغى الكثيرين، ممن أصبحوا يمتهنون بشكل رسمي التجارة بالمعبر.

ومما رفع أعداد العابرين يوميا، وفق مصادر جد مقربة، هو الإغراءات الكبيرة التي يقدمها كبار المهربين لهؤلاء، بحيث تحول التهريب من تهريب معاشي إلى تهريب رسمي وكبير جدا، يقف وراءه مهربون كبار معروفين بأسمائهم وألقابهم، لا يتعدى عددهم الأربعة، فيما غدا دور المهربين الصغار، ليس التبضع برأس مال يخصهم وبيع ما يخرجونه من سلع، بل تحولوا لحمالة لفائدة أولائك المهربين الكبار، بمبالغ مالية جد مغرية للرزمة الواحدة.

إسبانيا أصبحت ترفض استمرار هذا الوضع، رغم أن الأزمة الاقتصادية هي من جعلتها تفتح الأبواب للجميع، لكن مع ذلك لم تعد قادرة على استقبال المزيد، وبتلك الطريقة اليومية حيث التدافع والمشاحنات والشجارات والتجمهرات، والمغرب بدوره ضاق ضرعا بما يخسره يوميا من أموال من التهريب الكبير الذي أصبح يمر عبر باب سبتة المحتلة، كما أصبح يستحيل ضبط المعبر بسبب الأعداد الهائلة لهؤلاء، حتى أنه منع بشكل كلي “جوازات المرور” ‪laissez passe‬ بسبب تزايد الأعداد اليومية، ويتدارس حاليا مع نظرائه بالثغر المحتل سبل تخفيض أعداد العابرين ووضع قيود عليهم.

من التهريب المعاشي للتهريب “البورجوازي”:
كان المصطلح الإعلامي المعروف بخصوص آلاف المهربين الصغار هو “التهريب المعاشي”، حيث كان هؤلاء يتبضعون من سبتة المحتلة، ويخرجون بعض السلع لا تتجاوز قيمتها أحيانا 500 درهم حتى ألف درهم، لتدر عليهم دخلا في حدود 100 حتى 150 درهما، في أحسن الأحوال وجلهم من الأرامل وبعض المعطلين في انتظار العثور على عمل، وحتى بعض الطلبة ممن ليس لديهم دخل، وليس لأولياء أمورهم دخل يمكنهم من متابعة دراستهم.

الأمور تغيرت مؤخرا، وتحول التهريب من ذلك الشكل البسيط جدا، إلى شكل خطير وكبير، الوضع ليس جديدا، فدائما كان هناك مهربين كبار يشغلون لفائدتهم بعض المهربين الصغار، كما كانوا يغامرون بسلعهم ولهم مهربين محترفين، كانت العمليات تتم في أوقات غير أوقات الذروة، وبالاتفاق مع جهات معينة تسهل لهم المرور دونما حاجة لمن يحمل تلك البضاعة، ويخرجها بالتقسيط كما هو الحال حاليا، فقد كان لأولائك المهربين أشخاص يساعدونهم ويدعمونهم من داخل الجمارك وحتى الأمن، وهو ما أظهرته مجموعة من حملات التطهير التي عرفها المعبر.

المغامرة بحمولات تصل لملايين الدراهم أحيان لم يعد مضمونا، خاصا مع تطور طرق التفتيش وانتشار الكاميرات وتغير غالبية الوجوه والمسؤولين، كل ذلك سيجعل هؤلاء المهربين يغيرون طريقة عملهم ووسائلهم أيضا، فمن السيارات المقاتلة كما كانت تسمى وسيارات الشحن “الفاركونيطات” أصبحت ظهور الحمالة هي الوسيلة الوحيدة لإخراج كميات أكبر وبأقل ثمن وحتى بأقل خطر أو تهديد ممكن. كذلك أصبح العمل بمعبر باب سبتة مختلفا من تماما عما كان عليه، فمن عمل مؤقت مكروه لأصحابه، لعمل قار يغري الكثيرين، حتى من له عمل في جهة أخرى، إما يتخلى عنه نهائيا أو يشتغل كمهرب في أوقات فراغه.

يقول بعض العارفين جدا بالمعبر وبأسراره، أنه لم يعد هناك من يشتغل لحسابه الخاص، وأن جل العابرين البالغ عددهم فوق 20 ألفا يوميا، هم تابعين بشكل أو بآخر لواحد من كبار المهربين، ليس بشكل مباشر لكن تحت إشراف وسطاء آخرين، حيث يتوزع هؤلاء بين بعض المهربين القدامى، وبعض الأسماء المعروفة، التي أصبحت “تحكم” بكل معنى الكلمة بالمعبر وتهدد الجمركيين والأمنيين غير ما مرة، وتجعلهم يخضعون لها إما بالترغيب أو الترهيب، وهو ما كشفه بعض الجمركيين صراحة للجريدة، وكشفوا عن بعض من تلك الأسماء..

الأسماء الكبيرة لا تظهر في الصورة، لكن وسطائها معروفين ويوجدون بشكل شبه يومي بالمعبر يراقبون ما يحدث، ويعطون تعليماتهم للمهربين الحمالة، ما يجب القيام به ومالا يجب، متى يغادرون ومتى يتجمهرون، وحتى متى يهاجمون بشكل جماعي المعبر بهدف الخروج عنوة والإفلات من الرقابة الجمركية والأمنية، وهو ما أصبح يحدث بشكل شبه يومي هاته الأيام، رغم محاولات صد هجماتهم لكن العدد الكبير لهم يجعلهم قادرين على اختراق أي حاجز يوضع في طريقهم.

من تهريب معاشي بسيط يدر دخلا بسيطا، وبرأس مال بسيط جدا، لفائدة محتاجين فعلا من أرامل أو معطلين، لتهريب “بورجوزاي” حقيقي حيث أصبح جل المهربين يشتغلون كحمالة، بمبالغ لا تقل عن 20 أورو (220 درهما) للرزمة الواحدة العادية جدا، فيما المبلغ قد يصل حتى 100 أورو بالنسبة لبعض انواع السلع، التي لا يعرفون أحيانا ما هي، وغالبا ما يقيمون ثمن الحمالة وفق المادة والثقل، رغم منع السلطات الإسبانية عليهم تحميل ظهورهم بأوزان ثقيلة جدا من باب “الإنسانية”.

الحمالة يحملون رزما معلمة برموز مختلفة، كل رمز يبين هوية الرزمة وصاحبها، حيث يكون المعني قد هيأ كل ظروف المرور بالنسبة للحمولة، في الغالب عدا في بعض الحالات التي تحدث مفاجآت غير سارة، حينما تتغير الدوريات، أو يظهر بعض المسؤولين المعروفين بصرامتهم، ممن يقطعون الطريق بشكل كلي على أي سلعة مهربة، وهو ما يجعل هؤلاء يتجمعون بالجانب الإسباني أو فيما بين المعبرين رافضين كليا المرور للجانب الآخر، مما يدفع بالسلطات السبتية في بعض الأحيان لدفعهم عنوة وإرغامهم على الخروج، أمر يتسبب في تزاحم وتدافع خطير يخلف في بعض الأحيان ضحايا.

جوازات السفر وشهادات السكنى “مشبوهة”:

منذ سنوات وحينما فرضت دول القارة العجوز التأشيرة على الراغبين في دخولها، لم تستثن الثغور المحتلة من هذا الإجراء، لكن مجاملة لبعض المدن المجاورة لثغريها سبتة ومليلية المحتلة، أبقت على حقهم في ولوجها فقط باستعمال جوازات سفر، صادرة عن سلطات الإقليم المجاور للثغر. وبذلك أصبح من حق ساكنة إقليم تطوان وبعده عمالة المضيق الفنيدق الدخول لسبتة المحتلة فقط بجواز سفر صادر عن سلطات ولاية تطوان، أمر سيفتح شهية الكثيرين ويصبح جواز السفر التطواني مميزا ويساوي الكثير.

كان لهذا الأمر دور كبير جدا في استقطاب عدد كبير من النازحين للمنطقة من مختلف المدن والقرى المغربية، بل أن عدد آخر لم تطأ قدماه تطوان ولم يبت فيها ليلة واحدة، أصبح بدوره حاملا لجواز سفر تطواني، مع ما يتطلبه ذلك من إجراءات ووثائق، لكن مع ذلك أصبح الحصول على تلك الوثائق والوصول لإنجاز الجواز يدخل ضمن خانة “السهل الممتنع”، فهل صعب لكونه يتطلب مجموعة وثائق لا يمكن الحصول عليها بسهولة، وعلى رأسها شهادة السكنى وشهادة الإقامة، وفي الوقت ذاته فالأمر سهل، لوجود وسطاء يسهلون الحصول على كل شيء، مقابل مبالغ مالية مهمة.

قبل أن يكون جواز السفر بيوميتريا، كان عشرات من الوسطاء يشتغلون في مجال تسهيل الحصول على الجواز، والتدخل هنا وهناك من أجل تسهيل الحصول عليه، فكان المبلغ بالنسبة لمن ليس لديهم أي مشكل أو عائق لا يقل عن 2000 درهم، فيما وصل في كثير من الأحيان لقرابة المليون سنتيم، وفق ما عاينته الجريدة في ذلك الوقت، ووفق ما عاينته لاحقا، حيث يعرض أولائك الوسطاء “باك” مكتمل لعدة خدمات يتم بموجبها توفير الجواز لطالبه، حتى وإن لم يكن يعرف حتى موقع تطوان على الخريطة.

بدأت تجارة شهادات السكنى تنشط، خاصة في صفوف المئات ممن لا يقطنون بتطوان، والذين يتدخل لهم وسطاء لدى أعوان ومسؤولين في السلطة للحصول على شهادات السكنى تلك، والتي كان مبلغها ولوقت قريب لا يقل عن 5000 درهم، كانت التعرفة موحدة ومعروفة لدى الجميع، بل أن بعض أعوان السلطة وحتى مسؤولين بالمنطقة، تم توقيفهم في أوقات سابقة أو نقلهم بسبب هاته الأمور، لكنها كانت تدخلات جد محدودة ومحتشمة، فقط لذر الرماد على العيون بين الفينة والأخرى. لتستمر تلك التجارة لوقت قريب جدا، بل ولازالت ببعض المناطق.

إعلان

مقابل ذلك، لم يعد الراغبون في الحصول على جوازات سفر تطوانية، يقتصرون على الذهاب والإياب في حافلات الصباح المبكر، وولوج الثغر المحتل لاقتناء ما يريدونه من بضائع، بل تغيرت الأمور وأصبحوا يستقرون، وكل واحد أو واحدة يجلب معه أفرادا آخرين من الأسرة أو الجيران أو المعارف، وبدؤوا يستقرون بشكل رسمي، وغالبيتهم في مساكن عشوائية أو فنادق رخيصة جدا، قبل أن يبدؤوا بدورهم في اقتناء أراضي بأحياء هامشية، والبناء عشوائيا وهكذا تتولد تلك الفطريات العشوائية، كما يتزايد أعداد ممتهني التهريب الذين استقروا، لكونهم يكتفون بالحمالة، وليس بنقل البضائع لمدن أخرى كما كان الحال من قبل.

وكشف مصدر مسؤول بالمعبر في توضيح للجريدة بشكل غير رسمي، أن أكثر من 70% من حاملي جوازات السفر التطوانية، من ممتهني التهريب اليومي ليسوا من تطوان، وعدد منهم لا يقطنون بها وليس لديهم أي مسكن أو مكان إقامة بها، وهو ما يطرح مشاكل امنية أيضا، بين العناوين التي تحملها بطاقات التعريف خاصتهم وجوازات سفرهم، وبين أماكن إقامتهم الحقيقية، حيث يكون من الصعب الوصول لأي منهم في بعض الأحيان، وحينما تصدر بحقه مذكرات بحث أو عندما تكون أوامر باعتقاله أو تفتيش محل سكناه، حيث يتبين أن العنوان الموجود لديه لا علاقة له به.

الريباخا.. العطلة القسرية.. ساعات في الجحيم
السلطات الإسبانية تطالب المغرب منذ مدة بفتح ممر آخر يسمى معبر “البيوت” يمر خلف الجدار العازل للمدينة المحتلة عن التراب المغربي، والمغرب يرفض هذا المقترح منذ ذلك الوقت، ويطالب السلطات السبتية بتأجيل الموضوع في كل مرة، حتى أنه أصبح واحدا من نقاشات اللجنة الأمنية العليا المغربية الإسبانية، وكان المغرب بين الفينة والأخرى يؤكد أنه سيفتح المعبر لكن لاحقا، بعد توفير مستلزماته اللوجيستيكية والبنيات الضرورية، لكونه يتطلب إمكانات مادية وبشرية مهمة، لكن يبدو أن السلطات السبتية، في كل مرة تختلق بعض الأحداث لتذكير المغرب بكون الحل سيكون هو المعبر الجديد.

في انتظار فتح المعبر أو عدم فتحه، يبقى الممر بين النقطتين الحدوديتين جحيما حقيقيا يعيشه بشكل يومي ممتهنو التهريب، فيما يعيشه معهم الزوار للمدينة، وعشرات من العاملين بها، وكذلك بعض المغاربة السبتيين وعائلاتهم، حيث أصبح يتعذر على الطرفين زيارة بعضهما البعض وصلة الرحم، وغدا زيارة الأقارب بسبتة المحتلة أو العكس، أمر صعب المنال ويتوجب اختيار أوقات محددة يكون فيها عدد العابرين منخفضا وهو أمر لا يتوفر إلا نادرا جدا. كما أن مئات من العاملين والعاملات بسبتة المحتلة، يكادون أن يفقدوا عملهم بفعل طول انتظارهم ووصولهم متأخرين، وأصبحت ساعات الطريق تقارب ساعات العمل.

الأمور وصلت لما لا يحمد عقباه، وبدأت ملامح توترات وشجارات واكتظاظ لا يمكن حلها، يوميا وعلى مدار بضعة أشهر، أصبح المعبر فعلا أشبه بمسلسل ساعة في الجحيم، لكنه في الحقيقة ساعات في الجحيم، إذ أن وقت الطابور لقطع مسافة تقل عن الكيلوميترين حتى ثلاثة تتطلب عدة ساعات من الانتظار والسير البطيء للسيارة. وذلك بفعل تزايد أعداد العابرين من ممتهني التهريب من جهة، وكذلك دخولهم وخروجهم لعدة مرات، لتحميل المزيد من السلع وتوفير مدخول مهم لفائدتهم، ففي كل خرجة رزمات، ولكل رزمة مبلغها الذي ذكر سابقا.

خلال الأسبوعين الأخيرين، ساءت الأمور، فكان لزاما البحث عن حل مؤقت، حيث كانت عطلة نهاية السنة بالنسبة للأوربيين، وحتى أفراد الجالية المغربية بدول مختلفة، والتي تختار المرور عبر بوابة سبتة المحتلة، كما تزامن ذلك أيضا مع عطلة مغربية قصيرة، وانطلاق فترة التخفيضات المعروفة ب”الريباخا”. كل ذلك دفع بالسلطات المغربية ونظيرتها السبتية للبحث عن حل مؤقت، لكن قد يكون ناجعا، وتجربة أيضا، حينما ألزموا الآلاف من ممتهني التهريب بعطلة جبرية وقسرية، تمتد لقرابة 15 يوما، تمتد من يوم 24 دجنبر، حيث احتفالات رأس السنة، وحتى يوم 12 يناير، أي بعد عطلة 11 يناير المغربية، بهدف تفادي الاكتظاظ الكبير، والتقاء الزوار العرضيين الحالمين بالريباخا الوهمية بسبتة المحتلة، وآلاف ممتهني التهريب والحمالة بالمعبر.

عطلة قسرية امتدت لحوالي 15 يوما، جعلت المعبر يعود بعض الشيء لطبيعته، ويقلل الضغط عليه نسبيا، لكن مع عودة قوية للاكتظاظ ومشاكله مع كل نهاية أسبوع أو عطلة، حيث كان المئات من المواطنين يحاولون استغلال فترة العطلة القسرية للمهربين، للولوج لسبتة المحتلة، سواء من أهالي المنطقة، أو القادمين من مدن مغربية مختلفة أخرى ويتوفرون على تأشيرات الولوج للثغر المحتل. لتعود الطوابير مجددا لكن بحدة أقل وبشكل أكثر تنظيما مقارنة مع ما يحدث يوميا هناك، من صراعات ومشاحنات تصل حد العنف والعنف المتبادل، سواء مع العناصر الأمنية والجمركية المغربية أو نظيرتها الإسبانية.

انتهت العطلة الجبرية، وعادت حليمة لعادتها القديمة، عاد الوضع لما كان عليه، في ظل تأويلات وتخمينات وكل يقول كلاما، لا شيء رسمي، لكن يبدو أن بعض مسؤولي السلطات يلقون بكلمات هنا وهناك، عبر بعض “أبواقهم” للترويج لبعض الإجراءات الممكن اتخاذها، لمعرفة ردود الفعل المحتملة، فكان الحديث عن إلغاء الولوج لكل الجوازات التي لا يحمل أصحابها ترقيم بطاقة التعريف التطوانية، أي الذين استخرجوا الجوازات بعد حصولهم على بطائق تعريف في مناطق أخرى، فيما كان الترويج لمقترح أكثر “تطرفا”، وهو انه سيمنع على الجميع الدخول بجواز السفر، فقط من ولد بتطوان والضواحي…

تعددت الإشاعات والأقاويل، ونقلتها بعض المواقع كما لو أنها صادرة عن مصادر مسؤولة، في حين لا وجود نهائيا لتلك المقترحات، لكن يبدو أن هناك تخطيط فعلي وجدي لتوقيف مهازل ومآسي ما يحدث بالمعبر، والذي لا يمكنه ان يستحمل يوميا الآلاف من العابرين، جلهم حمالة يتقاضون تعويضات مهمة على تلك الحرفة، التي أصبحت بالنسبة لهم قارة، فالمشكل الاقتصادي لم يعد مطروحا بشكل كبير، رغم الأضرار الكبيرة التي يخلفها هذا التهريب، بل أصبح اليوم المشكل أمنيا أكثر من أي وقت مضى. وعلى السلطات أن تعي أن ما يحدث حاليا بالمعبر ليس تهريبا معاشيا، كما كان وأن نسبة من يحترف الترهيب المعاشي لا يشكل حتى نسبة 20% من مجموع من يوجدون هناك بالمعبر…

حلول وبدائل محتملة:
تحولت مدينة تطوان ومعها المدن المجاورة لسوق كبير، مدن كلها أسواق، منها المبني ومنها المكشوف، أسواق بنيت على مدار سنوات وفي كل مرحلة، يقولون أنها أسواق تهدف لمحاربة الباعة الجائلين، فيتم توزيع ما تيسر على من تيسر له، ليبقى الكثيرون في أماكنهم، وحتى بعض من بيع لهم ليخرجوا من الشارع، اختاروا بيع محلاتهم وعودتهم لأماكنهم القديمة بالشارع العام، سواء بوسط تطوان أو بعدد من المدن الأخرى، كمرتيل، الفنيدق والمضيق، والذين تحولوا فعلا لأسواق عشوائية وليس مدن سياحية متوسطية.

البدائل التي حملتها السلطات في كل مرة، لم تزد الأمور إلا سوء، فكثرة الأسواق تشجع على استمرار التهريب، إذ أن جل تلك الأسواق أصبحت محلات مفتوحة للسلع المهربة من سبتة المحتلة، وليس للمنتوج الوطني، بل حتى السوق المركزي “البلاصا” الذي كانت له خصوصيته، ومكانته لدى أهالي تطوان، أصبح سوقا للسلع السبتية بكل أنواعها. اختفت الخضر والفواكه وحتى اللحوم، التي كان يعج بها، لتأخذ مكانها أنواع من الحلويات والمواد الغذائية المهربة، وكذلك الأغطية والأفرشة وبعض أنواع الألبسة..

وكان الكثيرون يعولون على بعض المحلات التجارية الكبرى، أو ما يسمى بالمراكز التجارية، لتحل هذا المشكل، حيث كان مشروع “مرجان” تطوان، في بداية الألفية الجديدة مشروعا كبيرا، يهدف بالأساس لتغيير سلوكيات المواطنين بالمنطقة، وتغيير وجهتهم من السلع المهربة وما تحمله من خطورة، إلى السلع المغربية المضمونة من حيث السلامة على الأقل، أمر قال عنه الكثيرون إنه سيكون فاشلا، وأنه لن يستطيع منافسة ما يدخل من الثغر المحتل، وأنه “غادي يبقى كينش الدبان”، نظرية تبناها في الحقيقة الكثيرون، وكانت الجريدة قد أشارت لإمكانية فشل المخطط الرامي لتوفير محلات بديلة عن المواد المهربة، لكن يبدو أن الكثير من أهالي تطوان وزوارها، كانوا ينتظرون الفرصة لتأكيد أنهم يلجؤون لتلك السلع في غياب أسواق “مغربية” لإو ذات منتوج مغربي..

سريعا أخذ المركز التجاري مكانته، وأصبح فعلا وجهة للتبضع بالنسبة للكثيرين، بما فيهم أصحاب المحلات التجارية والبقالة، الذين يشترون أحيانا بالجملة، خاصة بعض المواد الغذائية الحساسة، التي يتخوفون من عدم سلامتها بالنسبة لمثيلاتها المهربة، وبأثمنة أقل. وذلك سيشجع شركة أخرى للدخول، ولو بمحل تجاري أصغر بواحد من أكبر شوارع تطوان، ثم بعد ذلك بمدينة المضيق.. كل ذلك سيبرهن عن ثقافة جديدة لدى أهالي تطوان، الذين لم يكونوا يعرفون سوى وجهة واحدة للتبضع، إما أسواق سبتة المعروفين، أو بعض المحلات التي تعرض تلك المنتجات هنا وهناك. وبالتالي أصبحت الكثير من المنتوجات المغربية، هي العادة الاستهلاكية للكثيرين، يأخذونها من تلك المحلات.

ليست فقط تلك المراكز التجارية الكبرى، من بدأت تجد لها مواطئ قدم، لتطرح البديل عن المواد المهربة، بل حتى محلات أخرى للتجهيزات المنزلية بمختلف أنواعها، والتجهيزات الإلكترونية وغيرها. ودون كشف مزيد من الأسرار، وحتى لا يتم الإضرار ببعض التجار، فسنقدم نموذجا واحدا لكيفية ترويج بعض المنتوجات المغربية، بطريقة “تدليسية” لكن إيجابية، حيث كشف للجريدة أحد الباعة المتمرسين، أن جل المعروضات في أحد أسواق سبتة هي مغربية، بما فيها التلفزات وأجهزة أخرى، لكنهم يضطرون لعرضها في تلك الأسواق، لكي يتم اقتنائها من طرف بعض الزوار، اعتقادا منهم أنها مهربة، لأن الكثيرين يريدون أن يقولوا أنها من “الخارج”….

مستقبل غامض قابل للانفجار
أي مستقبل ينتظر معبر باب سبتة المحتلة، ومعه أيضا معبر باب مليلية، في ظل التزايد المهول في أعداد ممتهني التهريب، الذي لم يعد معاشيا، لكن بعض الجهات تريد أن تتستر تحت يافطة المعاشي، ليستمر، وهي فئة من الطرفين، سواء المهربين وبعض المنتفعين من هذا التهريب من داخل الأجهزة الإدارية المعنية.. فالمعاينة والتتبع وكذلك ما تم تجميعه بخصوص كثير من العاملين بالمعبر، فإن عددا منهم أصبحوا من أثرياء المنطقة، ومعهم أيضا حتى بعض العاملين بالمعبر… إنه تبادل للمصالح بين بعض الأطراف، مقابل وضع أمني خطير قد تكون له عواقب وخيمة، بعد أن أصبح أمر الجانب الاقتصادي كارثي يحز على أي كان الحديث عنه..

ككل صباح مع أولى أشعة الشمس، وحتى آخر شعاع لها عند منتهى النهار، الآلاف لا يتوقفون عن الدخول والخروج، حاملين رزمهم على ظهورهم، تماما ك”النمل” في عمله الذؤوب اليومي، منهم من يشتغل من أجل لقمة عيش ولو متسخة بالإهانة، ومنهم من يذر عليه ذلك مدخولا لا يعد ولا يحصى…

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...