“مؤثِّرات بلا حدود”.. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!
في زمنٍ أصبح فيه عدد المتابعين مقياسًا للتأثير، تفاقمت في المغرب ظاهرة ما يمكن تسميته بـ”التأثير الفوضوي”، حيث لا تتردد بعض النساء ممن يُقدّمن أنفسهن كمؤثّرات على منصات التواصل الاجتماعي في مشاركة كل ما هو شخصي، صادم، تافه، أو حتى خطير، بهدف كسب التفاعل وتحقيق الشهرة.
هذا النموذج الرقمي الجديد لا يقدّم محتوى نافعًا أو تثقيفيًا، بل يقوم على إثارة الجدل، وخلق دراما يومية، والمتاجرة بمشاعر المتابعين، سواء من خلال نشر مشاجرات عائلية، أو الترويج لمنتوجات مجهولة المصدر، أو حتى تنظيم حملات لجمع التبرعات خارج أي إطار قانوني. الأخطر من ذلك، أن هذه الممارسات تُعرض على نطاق واسع، وتصل بسهولة إلى الأطفال والمراهقين في غياب أي رقابة أو تأطير.
من طنجة.. نموذج صارخ
من بين الأمثلة التي أثارت جدلاً واسعًا، سيدة من مدينة طنجة تُعرف على منصات التواصل كمؤثرة، نشرت مؤخرا مقاطع تتضمن خلافات مع أسرة زوجها، وتدّعي فيها تعرضها للسب ومحاولات العنف، بسبب مطالبتها باسترجاع مبلغ مالي سبق أن أقرضته لهم. وتُكرر الظهور بتصريحات حول الانفصال أو الطلاق، لتعود لاحقًا وتحتفل بـ”الرجوع”، في مشاهد استعراضية يغلب عليها الطابع التسويقي والدرامي.
والمثير للدهشة، إعلانها مؤخرًا أنها تعاني من اضطرابات نفسية وتتناول أدوية موصوفة طبيًا، ما يطرح تساؤلاً مشروعًا: كيف لسيدة في هذه الحالة أن تبث بشكل يومي محتوى صاخبًا ومثيرًا للجدل أمام جمهور من عشرات الآلاف؟
من بين الممارسات الأخرى المثيرة للريبة، ترويجها لمستحضر يُدعى “اللحسة”، تزعم أنه مقوٍّ جسدي، رغم أنه مجهول المصدر، ولا يتوفر على أي ترخيص صحي أو تجاري، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للمستهلكين.
كما قامت خلال زلزال الحوز بتنظيم حملة لجمع التبرعات، وجمعت مبالغ مالية كبيرة دون أن توضح المساطر القانونية التي تم اعتمادها، مما فتح بابًا واسعًا للتشكيك في مآل هذه الأموال.
وإذا كان من الصعب تتبّع جميع منشوراتها بسبب تفاهة عدد كبير منها، فإن تأثيرها السلبي بات واضحًا، خصوصًا عندما تتحول المنصات الرقمية إلى مرآة مشوهة للقيم والسلوك المجتمعي.
تساؤلات مشروعة ودعوة للمحاسبة
يتساءل المتابعون، بين متعاطف وساخر: هل نحن أمام حرية تعبير، أم أمام فوضى رقمية مقنّعة تسيء للقيم والأخلاق العامة؟ وأين دور الجهات المختصة في التصدي لهذه الظواهر التي تختبئ خلف شعارات الشهرة والتأثير؟
يرى مختصون أن النيابة العامة مطالبة بتتبع هذا النوع من الحسابات، خاصة عندما يُحتمل أنها تروّج لمحتوى مسيء أو مضلل، ويُعرض لفئات حساسة مثل القُصّر.
كما يحذر مختصون في علم الاجتماع من أن التطبيع مع هذه النماذج السطحية يهدد بتشكيل جيل يرى في الشتائم، والفضائح، والتشهير، أدوات عادية للنجاح الرقمي.
مسؤولية جماعية
أمام هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحة إلى فرض ضوابط مهنية وأخلاقية على من يقدّمن أنفسهن كمؤثّرات، وتوعية الجمهور بضرورة التمييز بين المحتوى الهادف وبين المحتوى الموجّه للإثارة والربح السهل. فالتأثير الحقيقي لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بما يقدّمه من قيمة، واحترام، وفائدة للمجتمع.