مع انصرام النصف الأول من رمضان، يكابد العديد من الصائمين من أجل إيجاد التوازن بين الصيام والنوم خلال هذا الشهر المبارك الذي يتغير فيه العادات الغذائية وتتعرض فيه دورة النوم إلى الاضطراب.
هالات تحت العينين، وتثاؤب طوال اليوم، وصداع متكرر ووجه شاحب، أبرز مظاهر التعب التي تعلو محيا هؤلاء الصائمين، على غرار سلمى ( 35 عاما)، التي تكافح من أجل إيجاد ذلك التوزان خلال شهر رمضان. وتقول هذه الشابة، وهي تداعب جبينها بيد مرتعشة، إنه “خلال هذا الشهر الفضيل، يصبح نومي مضطربا للغاية، وليلي فوضوي، ومزاجي متكدرا”.
ويؤشر هذا الوضع على حجم الجهود التي تبذلها ربة المنزل هاته، والأم لفتاتين يافعتين، بين إعداد الطعام والقيام بالأعمال المنزلية، لإرضاء رغبات أسرتها، قبل أن تخلد للنوم في وقت متأخر.
فخلال هذا الشهر الفضيل يتغير الإيقاع اليومي بسبب الوجبات التي يتم تناولها في أوقات غير معتادة خلال أمسيات رمضان، والتي تمتد بالنسبة للبعض إلى غاية وقت السحور.
وفي هذا الصدد، تعتبر فوزية القادري، المتخصصة في أمراض النوم وعلم النفس الطبي، أنه “من أجل نمط حياة مثالي، من الضروري التأكد من الحصول على 7 إلى 8 ساعات من النوم يوميا، على الرغم من التغييرات المختلفة التي تطرأ خلال هذا الشهر الفضيل، سواء من حيث العادات أو جداول العمل”.
وتؤكد أن النوم غير المتوازن يؤثر حتما على أداء الصائمين أثناء النهار، مع وجود مشاكل مرتبطة بالانتباه وقلة التركيز والنعاس، وكل ذلك يؤثر على الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية.
وعلى النقيض من سلمى، يتعامل عبد الرحيم، وهو تاجر يبلغ من العمر 33 سنة، بانشراح أمام جميع المواقف، ويقول “إن رمضان هو الشهر الذي أشعر فيه بأكبر قدر من النشاط في السنة”.
ما هو السر في ذلك؟ يجيب بابتسامة عريضة: “أحرص على النوم ثماني ساعات لأكون متيقظا ومنتجا خلال النهار. لا أستيقظ لتناول وجبة السحور، وأسعى جاهدا للحفاظ على نظام غذائي صحي ومتوازن”.
وهناك ما يبرر ذلك وفقا لأخصائي الأمراض العصبية حميد أوهابي. ففي حين أن النوم يتيح الراحة واستعادة حيوية الوظائف الأساسية للجسم والعقل، فإن أي اضطراب يلحق به يفضي في نهاية المطاف إلى إضعاف القدرات الإدراكية، مما يؤدي إلى مشاكل في التركيز والانتباه وبالتالي تقليل الإنتاجية في العمل والمدرسة.
ويقول السيد أوهابي “إن انعكاس وتيرة الأنماط الغذائية، وخاصة الحماس المفرط الذي يصاحب الإفطار، يعقد عملية النوم، كما تشجع الأجواء الاحتفالية في المساء على النوم في وقت متأخر”.
ويؤدي هذا التغيير في العادات، بحسب الأخصائي، إلى “تراكم في ديون النوم مع مرور الأيام”، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى خلل في نظام الأيض وفي القلب والأوعية الدموية، إلى جانب مخاطر متعلقة بالاضطرابات القلبية أو ارتفاع ضغط الدم.
وأضاف أن النعاس الشديد أثناء النهار يعد مصدرا للمتاعب الدراسية والمهنية والأسرية والاجتماعية، كما أنه سبب رئيسي للحوادث في العمل وحوادث الطرق.
وفي السياق نفسه، توضح فوزية القادري، وهي أيضا رئيسة الجمعية المغربية لطب النوم، أن عدم احترام مواعيد النوم يؤدي إلى ظهور بعض الاضطرابات المرضية، بما في ذلك متلازمات تأخر النوم والأرق التي يمكن أن تمتد إلى ما بعد شهر رمضان.
وتضيف أن بعض الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم تتفاقم بسبب عدم الالتزام بالنظام الغذائي أو تأخير مواعيد تناول الأدوية.
وتؤكد أنه إذا كانت الغاية من الصوم هو التخلص من السموم من الجسم وتقوية الجانب الروحي، فإن موائد إفطار العديد من الصائمين تفيض بالأطباق الغنية بالسكريات، مشيرة إلى أن الاستهلاك غير المعتدل مسؤول عن جودة النوم الرديئة، “وهو ما له حتما تداعيات على الصحة البدنية والعقلية والعاطفية”.
وعلى نفس المنوال، ينصح السيد أوهابي بتحسين ساعات النوم خلال شهر رمضان، وتجنب تناول الوجبات الثقيلة قبل النوم مباشرة، وممارسة نشاط بدني غير مكثف خلال النهار.
وفي الوقت الذي تزيد فيه وسائل التواصل الاجتماعي والإدمان على الهواتف الذكية من تراكم ديون النوم، يبقى من المهم جعل من هذا الشهر المبارك وقفة سنوية للتأمل والروحانية والتقوى والترابط الاجتماعي.