صفقة النقل الحضري أول اختبار جدي لعمدة طنجة..
تنتظر ساكنة مدينة طنجة، بفارغ الصبر، أن يتم الإعلان خلال الأيام القليلة المقبلة عن الشركة الفائزة بصفقة النقل الحضري بعد انتهاء عقدة تدبير شركة أوطاسا لهذا المرفق والتي دامت أزيد من 12 سنة. خلال كل هاته السنوات اقترن إسم شركة أوطاسا بالفشل الذريع في
مجرد توضيح.. محمد العمراني
تنتظر ساكنة مدينة طنجة، بفارغ الصبر، أن يتم الإعلان خلال الأيام القليلة المقبلة عن الشركة الفائزة بصفقة النقل الحضري بعد انتهاء عقدة تدبير شركة أوطاسا لهذا المرفق والتي دامت أزيد من 12 سنة. خلال كل هاته السنوات اقترن إسم شركة أوطاسا بالفشل الذريع في تدبير مرفق النقل الحضري، ذلك أن الشركة كانت تتصرف وكأنها فوق القانون، بحيث لم تكن تتردد في خرق بنود العقد الذي يجمعها بالجماعة الحضرية، مستغلة في ذلك الكثير من الاختلالات والثغرات القانونية التي اعترت صياغة العقد المبرم معها.
وكانت السنوات الخمس الأخيرة أسوأ فترات الشركة، الغير مأسوف على رحيلها، فقد عرفت خدماتها تدنيا ملحوظا بسبب وضعية أسطول حافلاتها المتهالكة، إذ تسبب في الكثير من الحوادث المميتة كان أفظعها حادث السانية المروع الذي ذهب ضحيته العديد من الضحايا الأبرياء، كما أن احتراق حافلاتها أصبح مشهدا يتكرر بشكل شبه أسبوعي حتى أصبح يطلق عليها حافلات الموت لما أصبحت تشكله من رعب حقيقي وهي تتجول بين شوارع المدينة.
يجب الاعتراف أن تدبير شركة أوطاسا لهذا المرفق الحيوي بالمدينة لم يكن لينحدر إلى هذا المستوى من تردي الخدمات لو تحمل مجلس المدينة ومعه وزارة الداخلية مسؤوليتهما في السهر على حسن تنفيذ بنود عقد التدبير، فغياب الإرادة الحقيقية لدى المسؤولين لتفعيل آليات المراقبة والتتبع، على الرغم من وجود ثغرات قانونية كبيرة بسبب عدم تضمين دفتر التحملات لآليات قانونية واضحة تسمح بذلك، ساعد شركة أوطاسا على أن تعيث في الأرض فسادا من دون حسيب ولا رقيب.
يجب الاعتراف أيضا أن عدم تحمل سمير عبد المولى لمسؤولياته، حينما كان عمدة لمدينة طنجة، زاد من تعقيد هذا الملف، فمدة تدبير عقدة تدبير النقل الحضري كانت محددة في 10 سنوات، أي أن رحيل الشركة كان من المفروض أن يتم سنة 2010، لكن سمير عبد المولى لم يباشر الإجراءات القانونية لإطلاق صفقة جديدة للنقل الحضري في وقتها المحدد لأسباب لا داعي للخوض فيها، مما وضع المجلس أمام مأزق حقيقي، وأصبحت أوطاسا تهدد بتوقيف أسطولها والانسحاب من المدينة إن لم يتم التمديد لها لسنة إضافية تجنبا لوقوع كارثة حقيقية في حالة انسحاب الشركة مع ما سيخلفه ذلك من عواقب وخيمة على السير العادي للمرافق الاقتصادية والمؤسسات الجامعية والتعليمية بالمدينة.
الآن والمدينة تتهيأ لاستقبل شركة RUIZ الإسبانية، المرشحة بقوة للفوز بصفقة تدبير النقل الحضري، تتناسل الأسئلة حول مدى قدرة هاته الشركة على تدبير جيد لهذا المرفق الحيوي بشكل ينسي الساكنة معاناتها القاسية مع شركة أوطاسا. كل المؤشرات تفيد أن الوضع سيكون مختلفا مع هاته الشركة، فدفتر التحملات الذي أعدته الجماعة الحضرية بمساعدة من خبراء بوزارة الداخلية صيغ بطريقة احترافية، وتم تضمينه بالعديد من الضمانات القانونية التي تسمح بمراقبة صارمة للشركة المفوض لها تدبير هذا المرفق.
من بين الشروط التي تم تضمينها بدفتر التحملات إلزام الشركة بتوفير 120 حافلة في المرحلة الأولى عوض 80 حافلة التي تتوفر عليها أوطاسا حاليا، مع الزيادة في عدد الخطوط التي تربط بين مختلف أرجاء المدينة، كما انه لأول مرة سيتم ربط المدينة بمجموعة من الجماعات القروية المجاورة، يضاف إلى ذلك أن دفتر التحملات يلزم الشركة المفوض لها تدبير هذا المرفق بتزويد حافلاتها بنظام التتبع عبر الأقمار الاصطناعية(GPS) مما سيمكن الهيئة المكلفة بالمراقبة والتتبع من المراقبة الصارمة لمواقيت انطلاق الحافلات ومدى تغطية الشركة لجميع الخطوط المنصوص عليها في دفتر التحملات.
على المستوى النظري، يمكن وصف دفتر التحملات بالجدي بالنظر لما تضمنه من شروط والتزامات تحدد بدقة ما للشركة وما عليها، غير أن الإشكال الكبير يبقى في توفر عمدة المدينة على الإرادة السياسية لتنزيل دفتر التحملات على أرض الواقع، فتجارب الرؤساء السابقين مع المؤسسات المفوض لها تدبير قطاعات النظافة والماء والكهرباء والنقل لا تسعف على الإطمئنان إلى المستقبل.
اليوم سيكون فؤاد العماري مع أول اختبار جدي له كعمدة للمدينة منذ تحمله المسؤولية في نونبر2010، فصفقة تدبير قطاع النقل الحضري يمكن اعتبارها أول ملف حيوي يباشره تحت مسؤولياته الكاملة، وهو بذلك سيكون المسؤول الأول والأخير عن تدبير هذا القطاع، ولن يشفع له التذرع بأي مبررات كيفما كانت للتملص من مسؤولياته التي تتجسد أولا وأخيرا في السهر على تطبيق دفتر التحملات الذي صادق عليه مجلس المدينة، وهي المسؤولية التي تتطلب فقط التحلي بالإرادة السياسية.
الأيام القادمة ستكشف إن كان العماري قادرا على الوفاء بالتزاماته حول تحسين خدمات النقل الحضري بالمدينة، أم سيلجأ هو الآخر إلى تحميل العفاريت والتماسيح المسؤولية لأي إخفاق منتظر.