رمضان بين هولندا والمغرب

تركت المغرب قبل 12 سنة بالضبط في اتجاه هولندا لإكمال دراستي وكان ذلك بعد أسبوع واحد من انقضاء رمضان. وكان هذا آخر عهد لي بهذا الشهر الفضيل بالمغرب

أنس بنضريف *
تركت المغرب قبل 12 سنة بالضبط في اتجاه هولندا لإكمال دراستي وكان ذلك بعد أسبوع واحد من انقضاء رمضان. وكان هذا آخر عهد لي بهذا الشهر الفضيل بالمغرب

إعلان

ورغم مواظبتي على زيارة المغرب عدة مرات في السنة فلم يكتب لي خلال الفترة الماضية قضاء رمضان في المغرب إما لظروف شخصية أو ربما احتجاجا على ثقافة الأكل والاستهلاك التي تعرف انتشارا منقطع النظير في شهر الامتناع عن الأكل. بالرغم من ذلك أحس بالحنين إلى طقوسه في المغرب من عادات وصلة رحم بين الأحباب و الأصدقاء.

أول رمضان
أذكر أن أول رمضان لي بهولندا حل في فصل الشتاء القارس حيث أن ساعات الصوم تكون قليلة حيث تغرب الشمس حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر. كنت ومجموعة من الطلبة المغاربة نتجه إلى مسجد الفتح بمدينة تيلبورغ للإفطار. وهي عادة حميدة في مساجد أوروبا حيث يقدم الإفطار بالمجان للصائمين. وكم تمنيت ذلك اليوم أن أكون في المغرب فقد اشتقت إلى (شوربة) حريرة أمي و قهوتها. وأذكر أن الأكل كان بسيطا في أول يوم ولكن الجودة و الكثرة ستزيد مع توالي الأيام. كان الطلبة المغاربة من أكثر رواد مائدة الإفطار يليهم المقيمون بصفة غير شرعية ثم غير المتزوجين. كنا نبقى حتى نهاية صلاة التراويح بعدها يستقل كل منا دراجته ليعود إلى سكنه المتواضع وكان غير المصلين منا ينسلون بعد وجبة الإفطار مباشرة. انقطعت عن الإفطار في المسجد في السنة الثانية، فقد أصبح لي دخل استطيع منه تحمل نفقاتي بعد عملي في إحدى المطاعم و حتى أترك المجال لأشخاص يمنعهم العوز على إعداد مائدة الإفطار.
بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن النقود التي ترسلها أسرتي انتقلت إلى السكن في شقة رفقة طالبين مغربي وجزائري. وحدث أن توسعت دائرة معارفنا وأصبحنا معروفين بين الجالية المغربية كطلبة في مدينة تيلبورغ. فأصبحت تتوالى علينا الوجبات في رمضان حتى بلغت فائضا لا يحتمل. وبدأ يصاحبنا طلبة مغاربة آخرون على مائدة الإفطار. بعد الإفطار كنا نتجه للمسجد لصلاة التراويح أو يؤمنا ياسر من وجدة الذي يتمتع بصوت جميل إذا كان الجو الماطر يمنعنا من الذهاب إلى المسجد.
أذكر في ليلة من رمضان ولعلها ليلة 26 جلب لنا احدهم قصعة كسكس قد تكفي 10 أشخاص. وكان الوقت قد بلغ منتصف الليل والجميع قد انصرف. امتثالا للقاعدة المغربية “لا كسكس بدون جماعة” كلمنا بعض الأصدقاء الذين كانوا مجتمعين عند أحد الطلبة، فوعدناهم بالإتيان بقصعة الكسكس. وكان المشكل هو طريقة حملها حيث كنا لا نتوفر على سيارة. فارتأينا أن نحملها على دراجة حيث تكلف الأول بقيادة الدراجة ماشيا وكانت مهمتي وضعها على المقعد الخلفي ومنعها من السقوط. وكللت العملية بنجاح و لم تمر دقائق معدودة حتى أكرمنا القصعة إكراما لم نترك فيه شيئا حتى للفئران.

أجواء هولندا
بعد حصولي على الماجستير انتقلت إلى مدينة قرب أمستردام وبدأت الاشتغال بمنظمة العفو الدولية. وكان أول رمضان لي في عمل منتظم يترتب عليه احترام المواقيت. لم يكن بوسعي تغيير أوقات العمل ولا التضحية بالحصة الصباحية كما كنت أفعل و أنا طالب. فأصبح لنسيم القهوة الصباحية وقع خاص بعد إدماني عليها.
أذكر أني و زميلي الفلسطيني كنا المسلمين الوحيدين في المؤسسة وكنا في استراحة الظهيرة نتمشى على ضفاف قنوات أمستردام.
يطرح علًي الزملاء الهولنديون كل سنة نفس السؤال حول الصوم. “هل يمنع عليكم الشرب كذلك؟”. سؤال ربما يطرح على أغلبية المسلمين في هولندا من طرف زملاء العمل. ولا أدري هل يعود تكرار طرح هذا السؤال إلى ضعف الذاكرة عند الهولنديين أو عدم مبالاتهم.
رمضان في هولندا أتاح لي الاستمتاع بروحانية هذا الشهر والابتعاد عن ثقافة الاستهلاك المفرط السائدة في المغرب. مائدة الفطور عادية و بسيطة و أما السحور فلا يزيد على بعض الفاكهة و اليوغورت(الزبادي). و حدث مرات أن الفطور لم يتعد ثمرات إن كانت ظروف العمل لا تسمح بالأكل. فكم من مرة صادفني وقت الإفطار وأنا في القطار فيقتصر الأكل على قطعة شوكولاته في انتظار الوصول إلى البيت. وحدث مرارا أن وقت الإفطار صادف تقديمي للأخبار مباشرة على إذاعة هولندا العالمية، فكنت أنتظر الوصلة الموسيقية التي تكون بين العناوين لأرتشف قليلا من الماء.
تختلف أجواء الصيام في هولندا عن أجواء الصيام في المغرب. فان كانت الطقوس الإسلامية حاضرة في الشوارع، في الموائد و حتى في الإعلام فهذه المظاهر منعدمة بهولندا باستثناء المساجد و محلات التسويق التي يقصدها المسلمون. ويبقى الشيء الوحيد الذي بدأت أفتقده في رمضان بهولندا هو قلة تبادل الزيارات بين العائلة و الأصدقاء. العائلة المغربية كخلية اجتماعية بدأت تتفكك وزملاء الدراسة منهمكون في أدوارهم الجديدة.

* تـُنشر هذه المادة في إطار الشراكة المعقودة بين المجلة الإلكترونية طنجة نيوز والقسم العربي في إذاعة هولندا العالمية.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...