نصيرة بلعربي .. كفيفة شعلة من الآمال تدرس بتطوان لغة لويس برايل بتفان ونكران ذات

عبد العزيز حيون و.م.ع

نصيرة بلعربي شابة كفيفة في مقتبل العمر اختارت عن طواعية تدريس لغة لويس برايل بجمعية للكفوفين بتطوان، تحمل اسم مخترع هذا النظام في القراءة والكتابة. هي شعلة من الآمال، مثال في نكران الذات وسط المعاقين بصريا وفي وسط الشباب الطموح عموما.

ونصيرة بلعربي شقت طريقا طويلا وصعبا لتتمكن بشكل متميز من لغة برايل وتنجح في مشوارها الأكاديمي والجمعوي، إذ استطاعت التغلب على كل صعاب ومطبات الحياة، والوقوف في وجه كل المعوقات الذاتية والموضوعية، لتؤكد بالملموس أن المكفوف جدير بعيش حياة عادية، بل يمكن أن يحقق فيها النجاح البارز، شريطة الاجتهاد والمثابرة وأن يحاط بالرعاية الأسرية والاجتماعية المناسبة.

في هذا الإطار، شددت نصيرة بلعربي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه يتوجب على كل كفيف، بل على كل شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، تحدي إعاقته مهما كانت حدتها انطلاقا من ذاته أولا، وعدم الاستسلام لها، والعيش دائما بالأمل ومع الأمل، لبلوغ مستقبل أفضل يحقق فيه تطلعاته وأحلامه.

وتعتبر نصيرة، التي تابعت دراستها في تطوان ومكناس خلال المرحلتين الابتدائية والثانوية، أن التعليم مهم للغاية بالنسبة للأشخاص في وضعها، فهو وسيلة لتطوير الذات إلى الأفضل، والانفتاح على مختلف العوالم والاندماج في المحيط الاجتماعي، وهو وسيلة لتفجير القدرات والطاقات.

كما ترى نصيرة، الحاصلة على الإجازة في القانون من جامعة محمد الخامس بالرباط والمتطلعة إلى مواصلة دراستها العليا إذا أتيحت لها الفرصة، أن الشخص المكفوف يجب أن تكون له القناعة التامة بأن الخوف والتردد هما الإعاقة الحقيقية، وليست الإعاقة البدنية، وأنه لا يجب الاستسلام لليأس مهما كانت الظروف صعبة.

وفي هذا السياق، أكدت نصيرة، بنبرة مفعمة بالشجاعة والثقة في النفس، أن حياتها لم تكن مفروشة بالورود، ومرت عبر محطات سلسة أحيانا ومعقدة في أحيان أخرى، وحاولت اجتيازها بكل ما أوتيت من قوة وبعد نظر، وهي تطمح الآن أن تقدم تجربتها الملهمة للأجيال الصاعدة عامة، وليس فقط للمكفوفين حتى يأخذوا العبرة ويستفيدوا منها.

وبكل اقتناع، أبرزت نصيرة بلعربي أن مهمتها لا تقتصر على تدريس المكفوفين وضعاف البصر لغة برايل، رغم ما لها من أهمية، بل مهمتها الأساسية مساعدة ذوي الإعاقة البصرية معنويا، ودعمهم لكسب الثقة في النفس، والتعاطي مع ظروف الحياة بطاقة إيجابية، وكذا امتلاك جرعات التحدي التي تمكنهم من تحويل الانكفاء على الذات إلى طموح لا يحده إلا أفق السماء.

شعار نصيرة بلعربي في الحياة، منذ سنين طفولتها، هو قهر المستحيل، شعار كان لها نبراسا يضيء دربها الأكاديمي والمعرفي إلى أن حصلت على شهادة جامعية، وعلى نفس المنوال وبروح تحدي تتابع دراستها في المعهد الموسيقي، حيث بلغت مستوى السنة الثانية في الصولفيج، حيث تتعلم العزف على آلة العود على يد الأستاذ عبد اللطيف الغازي، رئيس جمعية لويس برايل للمكفوفين بتطوان، مع التطلع إلى بلوغ مستوى الإتقان في هذا المجال حتى تثبت لمحيطها العام أن المستحيل ليس مغربيا.

وأبرزت مدرسة لغة البرايل أن تجربتها الحياتية الطويلة رغم صغر سنها أقنعتها أن الإنسان قادر على فعل أي شيء يتطلع إليه ويرغب في بلوغه، الوصول إلى الهدف يتطلب فقط تملك الرغبة الكافية والشجاعة في اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.

اجتهاد نصيرة لا حد له، فهي تطور ذاتها باستمرار حتى تمنح طلبتها الجديد في كل المجالات التعليمية وتمكينهم من مواكبة التحولات التكنولوجية وطفرة الرقمنة، وهي مقتنعة أن التيسير الرقمي مهم جدا لضمان الإدماج الواسع للمكفوفين في وسطهم العام وتغيير حياتهم إلى الأحسن، كما أن الشخص الكفيف يمكنه أن يستغل حدة حواسه كميزة لبلوغ الأهداف في كل مجالات الحياة، ونموذجها في هذا المجال لويس برايل نفسه “الأعمى الذي أضاء عالم المكفوفين”.

وأضافت أن مدرس لغة برايل كباقي المدرسين في كل المواد التعليمية يجب أن يمتلك و يطور مؤهلات خاصة للتعامل مع التلاميذ والطلبة في وسط المكفوفين، خاصة وأن لغة برايل ليست فقط وسيلة للكتابة والقراءة، وإنما هي تتجاوز ذلك لتشكل جسرا نحو المعرفة وضمانا للاستقلالية ولسانا للتعبير ونافذة تفك العزلة عن الكفيف.

بمعاينة أنامل نصيرة بلعربي وهي تخز، بإتقان دقيق، بقلمها الخاص الخشبي ذي الرأس المدبب، لتشكل الحروف المنقطة على ورق مقوى مستندة على لوحة خاصة بشكل أفقي، تتأكد بأن هذه الفتاة الطموحة متميزة في عملها، واكتسبت فيه خبرة مهمة، وتتوخى الذهاب بعيدا في تعليم المكفوفين ومنحهم إمكانية التعايش وتأخذ بيدهم لدراسة مواد أكثر تعقيدا، مثل الحساب والكيمياء.

ونصيرة بلعربي تشكل نموذج الشباب المغربي الطموح الواثق من قدراته والراغب في المساهمة الفعلية، من موقعه، في تنمية دامجة ومستدامة وتعبيد الطريق لتحقيق الرقي الاجتماعي.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...