وااااااااااع!!!

يقولون إن شعوب البحر الأبيض المتوسط هي الأعلى صوتا من بين كل شعوب العالم، وعندما يتحدث الناس يمكنك ببساطة أن تتصور أنهم يتشاجرون بينما هم يتبادلون التحية فقط.
يقولون إن شعوب البحر الأبيض المتوسط هي الأعلى صوتا من بين كل شعوب العالم، وعندما يتحدث الناس يمكنك ببساطة أن تتصور أنهم يتشاجرون بينما هم يتبادلون التحية فقط.

وفي طنجة، لا أحد يشذ عن القاعدة إلا من رحم ربي. يمكنك أن تحتفظ بالهدوء وبقوة المنطق لنفسك، لأنك ببساطة لن تقنع أحدا. فالبقاء للأعلى صوتا، وليس لمن يمتلك الحجة.
مؤخرا، وقعت أمامي حادثة سير بسيطة يصعب أن تحدد من المخطئ فيها. وقبل حتى أن يغادر السائقان سيارتيهما لمعاينة خسائرهما أولا، كانا قد بدآ بالصراخ، وعندما اقتربا من بعضهما كان الصراخ قد تحول إلى شجار، وعندما التحما كانت مباراة في المصارعة الحرة على وشك أن تبدأ لولا أن أبناء الحلال تدخلوا في اللحظة المناسبة.. وأبناء الحلال كثيرون جدا ، ويعدون بالآلاف ومستعدون للتدخل في أية لحظة لفض الاشتباكات وللتفرج على الحوادث… نسميها في طنجة “الجوقة” كما تعلمون.
على أية حال، كان للجوقة هذه المرة دور إيجابي وتم منع السائقين من قتل بعضها. لكن ما يهمنا في كل هذا هو سؤال بسيط: لماذا صرخ السائقان في وجه بعضهما؟ لماذا كان كل واحد يريد أن ينتصر على الآخر فقط عن طريق رفع الصوت؟ أليس هناك ” تأمين” و”كوسطا” وما إلى ذلك؟!
يبدو أنه مرض قديم يصعب أن نكشف الآن عن جذوره ثم علاجه. لكنه هنا بالتأكيد، والغريب أنه يمتد في العالم العربي كله. ويكفي أن تشاهد حلقة واحدة من برنامج الاتجاه المعاكس لتدرك أن من يمتلك حنجرة ذهبية قادرة على الصمود دون أن تتمزق الحيال الصوتية، هو من يكون قادرا على إسكات غريمه. البقاء للأعلى صوتا دائما.
وفي طنجتنا، يبدو أن فيروس الصوت العالي لازال يواصل انتشاره.. وعند أي خلاف تتعالى الحناجر بالصراخ مع كثير من اللعاب المتطاير على الوجوه، وعند نهاية الصراع يمكن أن تلاحظ أن صاحب الصوت الخفيض قد انسحب أو بدأ يقلب كفيه بمعنى ” لاحول ولا قوة إلا بالله”، لأنه يدري أنه خسر معركة الأصوات رغم قوة حجته. فلا يبقى أمامه إلا التوجه نحو أحد أعضاء الجـُــوقة المحترمة ويبدأ في شرح الموضوع له لعله يجد من يسمعه ولو كان من المتفرجين، لكن هذا الأخير لا يستمع له بتركيز ويبدأ بالتململ راغبا في الانسحاب لأن مباراة الملاكمة التي كان ينتظرها لم تنطلق للأسف.
المشكلة أنك – إن كنت من الهادئين – ينبغي أن تساير هذا المرض وأن تجري أنت أيضا تمرينات خاصة برفع الصوت لأنك فعلا ستخسر كل معاركك الكلامية إن كان صوتك خفيضا، وبالتالي سيتطاول عليك الكثيرون دون وجه حق.
ولقد أدرك بعض “القافزين” هذا السر، وأصبحوا يستعملون سلاح رفع الصوت أكثر من مرة لأخذ ما ليس لهم. ولنضرب لذلك مثلا:
تجد أحدهم يتململ وأمامه صف طويل من البشر في إحدى الإدارات، ويدرك أن الدور لن يصله إلا بعد وقت طويل. هكذا يفتعل مشكلة صغيرة ما ويبدأ في الصراخ والعويل: واااعباد الله… وماكاتحشموشي… واشني هادشي؟!
يبدأ الجميع في تهدئته وتطييب خاطره: الله يهديك… لعن الشيطان… هاو غايطرطقلك شي عرق!
أخيرا، يتم قضاء غرضه على وجه السرعة قبل أن يموت هناك، كنوع من التخلص منه تحت شعار “مصّاب غير يسكتنا”. بينما هو يخرج راضيا عن نفسه منتفخ الأوداج وقد حقق نصره الصغير، وبأبسط الوسائل: الغوات.
إن كنتم تعتقدون أن مقالي هذا غير مقنع، أو أن الفكرة لم تصلكم بشكل جيد، فاسمحوا لي أن أيضا أن أقنعكم بطريقتي:
واااااااااااااااع!!!
هل اقتنعتم الآن؟!

عبد الواحد استيتو
stitou1977@yahoo.com

Facebook | Abdelouahid Stitou


قد يعجبك ايضا
جار التحميل...