غرندايزر… انطلق

عندما تحدثت في عدد سابق عن بائعة الكرافس ورئيس المقاطعة كنت أريد أن أصل إلى فكرة مفادها أننا نحن المواطنون أيضا لسنا ملائكة، وأننا نحمل من الشر في نفوسنا ما يساوي الشر الذي في نفوس المسؤولين الأعزاء.
عندما تحدثت في عدد سابق عن بائعة الكرافس ورئيس المقاطعة كنت أريد أن أصل إلى فكرة مفادها أننا نحن المواطنين أيضا لسنا ملائكة، وأننا نحمل من الشر في نفوسنا ما يساوي الشر الذي في نفوس المسؤولين الأعزاء.

لكن، كان هناك شبه إجماع في ردود القراء على أن بائعة الكرافس – وهي هنا مجرد دلالة رمزية على المواطن البسيط طبعا – لا تأخذ أراضي أو دكاكين من أحد ولا تقاتل سوى من أجل قوت يومها، وكفي.

بينما المنتخبون والأعضاء والرؤساء لم يكافحوا من أجل تلكم المناصب إلا لكي يستطيعوا أن يمصوا دم المواطن، فهو الهدف الأول و الأخير. فإن حيل بينهم وبينه قاموا باستغلال السلطة التي أتيحت لهم والامتيازات كي يمروا من القانون مرور الشعرة من العجين.

المهم، لابد من ممارسة الشر في أعلى مستوياته، وهذا هو وجه الاختلاف بين مواطن بسيط أرغمته حياة قاسية على أن يخرج أظافره وأنيابه كي يستطيع أن يعيش، وبين مسؤول مترف يغرس الإبر في أعناق وأوردة المواطن ويقوم بمص دمائهم اللذيذة.

الأول مسكين في كل الأحوال، والثاني معتدي في أغلب الأحوال. دائما لديه رغبة في الإيذاء على طول الخط.. إنهم يتصرفون كأنهم سيموتون إن لم يسرقوا.. وكأنهم في الوضعية التي يطلق عليها الغربيون:

الحاجة إلى فعل شيء ما.. The urge to do something.

في طفولتنا، عندما كانت التلفزة تبدأ برامجها على الساعة السادسة وتنهيها في الحادية عشرة، كنا نشاهد جميعا البطل الخارق “غرندايزر” الذي يتصدى لسكان الفضاء الذين لا يكفون عن محاولة استعمار كوكب الأرض. وكانت سلسلة غرندايز تظهر لنا الغزاة وهم يحملون الشر المطلق في فكرة مفادها: نحن جئنا هذه الدنيا فقط لنخرب وندمر ونقتل.. باختصار شديد: نحن أشرار وشياطين ولا نحب أحدا.

طبعا، الرسالة موجهة للأطفال كي يستطيعوا التمييز بين الخير والشر. عندما كبرنا قليلا فهمنا أنه يستحيل أن توجد شخصية بهذه السطحية، إما خير أو شر. بل هناك لون رمادي يلتقي فيه العالم.. منهم من يقترب إلى المنطقة السوداء ومنهم من يقترب من البيضاء.. وبينهما برزخ لايبغيان.

لكننا سنعيد الاكتشاف مرة أخرى عندما سنبلغ سن التصويت وسيأتي أشخاص قادرون على ارتكاب كل الآثام والشرور والفظائع، وسنتذكر سلسلة غرندايز اللطيفة بحنين زائد ونتأكد أن أصحاب السلسلة كانوا أذكياء جدا، وحذرونا منذ الطفولة لكننا لم ننصت إليهم.

فهاهم المرشحون يعدون ولا يفون، يأتمنون ويخونون، ويسرقون وينهبون ويهدمون المنازل والبراريك أيضا، مثل قائد الغزاة “بلاكي” بالضبط.. عاقلين عليه أولا نسيتو الطفولة؟

إعلان

لا ينقصهم سوى أن يتجمعوا في قصر البلدية ويرسلوا الأطباق الطائرة علينا لتحصدنا جميعا وهم يضحكون ملأ أفواههم :

ها ها ها … نحن أشرااااااار.

الشر المطلق غير موجود منطقيا وفلسفيا، لكننا نلمسه أيام الانتخابات وبعدها ولا نستطيع أن ندعي العكس.

هل هناك استثناءات؟

نعم، كما في كل مكان. لكنها تذوب وسط سيل الشر المتدفق فلا تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا.

لقد عاشت هذه المدينة سنوات سوداء، وفي كل مرة نقول: المرة القادمة ستكون أفضل. لكن الأمور لا تسير سوى نحو الأسوأ. ولم يعد غريبا أن تسمع المواطنين يترحمون على من كانوا يعتبرونهم لصوصا في السابق، لكنهم يبدون الآن كملائكة مقارنة مع هؤلاء.

يبدو أن هذه المدينة لا زالت تحتفظ لنا بمفاجآت أكثر قسوة مما نتصور.. الله يعمل لي فيه الخير والسلام.

لو كان غير غرندايزر موجود كاراه فاك الوحلة…

وبدل أن نكتب هذا المقال كنا سنردد جميعا بصوت واحد:

غرندايزر… إنطلق.

عبد الواحد استيتو
stitou1977@yahoo.com

http://stitooo.blogspot.com

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...