حكاية الـــــــــــــــسفاح

سبق لي، في وقت سابق، أن كتبت عمودا على طنجة نيوز حاولت فيه أن أشاغب موضوع الإشاعة بهذه المدينة العزيزة وكان عنوانه “قالوها ف الإنترنت”. وقتها لم تكن هناك أي شائعة تروج على قارعة الطريق وفي عقر البيوت.
سبق لي، في وقت سابق، أن كتبت عمودا على طنجة نيوز حاولت فيه أن أشاغب موضوع الإشاعة بهذه المدينة العزيزة وكان عنوانه “قالوها ف الإنترنت“. وقتها لم تكن هناك أي شائعة تروج على قارعة الطريق وفي عقر البيوت.

والآن، وشائعة السفاح المفترض تتحرش بنا، آن الأوان للكلام مرة أخرى عن الإشاعة عموما وعن هذه الإشاعة خصوصا لعل وعسى نجد من يسمع أو يعقل.

الحقيقة أنني بمجرد ما سمعت الكلام الرائج هذه الأيام عن هذا “السيريال كيلر”، أي القاتل المتسلسل، حتى أدركت أن الأمر يتعلق بشائعة. والسبب ليس أنني أذكى من اللازم، لكن للشائعة علامات تميزها يمكن أن تلتقطها ببساطة ويمكنني أن أضعها أمامكم على شكل نقاط:
– ففي الشائعات تجد دائما تلك الأفعال المبنية للمجهول مثل : ” قالـــّـــك”… ” قالوها”.. “شافوه الناس”…إلخ.. وعندما تسأل من قال هذا بالضبط تجد الإجابة التي يفترض صاحبها أنها ستفحمك:
” كلشي كا يقـــــــــولا”.
– هناك دائما تلك الصورة الأسطورية الخيالية للفاعل، مثل أن بيده حناء، وأن عيونه خضراء..وأن… وأن..
– خلفية الحكاية أيضا تجدها تعتمد على نفس الشيء.. فالسفاح قام بطهو طفل في طاجين، وقد جاء لينتقم من النساء تباعا..وهو يقوم بسرقة أكبادهن…إلخ..

دعونا الآن نفند الإشاعة بالمنطق والعقل. فهي تقول لحد الآن أن السفاح قد قام بقتل 3 نساء. هذا الخبر لا ينبغي أن نبتلعه بهذه البساطة، لأن قتل امرأة واحدة في حد ذاته كان سيكون حدث الموسم وسيعلم به الأمن والإعلام والجميع، قبل أن يقوم أحدنا من مقامه. فما بالك بقتل ثلاث نساء دفعة واحدة؟

ثم لو أن هناك قتيلات فعلا، فهل يسكـــنّ في المريخ أم في طنجة؟ لو كن في طنجة فبالتأكيد لديهن عائلات، ولديهن معارف، وستكون هناك جنازة وما إلى ذلك. أين كل هذا؟ لا وجود له إطلاقا طبعا.
لم تمر سوى أيام معدودة على جريمة الحافة وجميعكم تذكرون كيف انتشر الخبر، وكيف انتشرت الصور والأخبار في وسائل الإعلام وغيرها.. وآثار الحادث نفسها بقيت في مكان الجريمة. هذا هو الحدث الحقيقي، وهذه أضلاعه التي تثبت حقيقته.

أما الأخبار الهلامية كقصة السفاح فأنصح الجميع ألا يصدقوها.

هناك فيلم أمريكي لطيف وممتع بعنوان “Gossip” أي “إشاعة”، يطرح هذه المسألة بشكل إبداعي، حيث يتفق مجموعة من الطلبة على صنع شائعة مفبركة وإطلاقها في جامعتهم ثم يجلسوا ليروا كيف تنتشر وكيف يتعامل معها الناس بسذاجة. ومن أمتع لقطات الفيلم هي تلك اللقطة التي يجتمع فيها الأصدقاء ليقرروا كيف وأين يطلقوا الإشاعة، حيث يقومون – من خلال الحوار- باستغلال الكثير من نقاط الضعف البشرية والتي تجعل الواحد منا، أحيانا، مستعدا للتصديق حتى لو ثبت له فيما بعد أن الأمر كان مجرد إشاعة.

طبعا، تنحو الأمور في الفيلم منحى مأساويا ويصبح السؤال هو : “كيف سنقنع الناس أنها كانت مجرد إشاعة؟”

لهذا، يجب أن نعترف أنه للإشاعة قوتها. وهي ككرة الثلج، وعندما تنطلق يصعب بشدة أن يوقفها لا العقل ولا المنطق. وحتى أكثر الناس ثباتا وتعقلا تجده إما يصدق ويمشي مع التيار، أو يبقى حائرا وكأن على عقله غشاوة.

مثلا، ها نحن أولاء نشرنا في طنجة نيوز خبرا يؤكد أن المسألة مجرد إشاعة، واستعنا في هذا بمصادر أمنية لا تمزح أو تتهاون في هذه الأمور، فهل تعتقدون أن الجميع سيقول آمنا وصدقنا؟ طبعا لا.. بل هناك الكثيرون سينظرون نظرة واحدة إلى الصورة المنشورة رفقة الخبر، وسيطلقون سيقانهم للريح، لينشروا الخبر بالشكل التالي : ” دكشي دبصاح… شوفنا السفاح ف الإنترنت”!!!
الله يرزقنا العقل والتعقل… ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.

عبد الواحد استيتو
stitou1977@yahoo.com

Facebook | Abdelouahid Stitou


قد يعجبك ايضا
جار التحميل...