“في الحاجة إلى منصة رقمية لضمان استمرارية دروس محاربة الأمية عن بعد”
محمد أولوط عضو المجلس الإداري بلوكالة الوطنية لمحاربة الأمية
يعتبر المغرب من بين البلدان السباقة إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الإستباقية والإجراءات الوقائية والاحترازية لمحاصرة فيروس كورونا المستجد، ومن جملتها تعليق دروس محاربة الأمية بجميع المراكز وتوقيف الدراسة وإبقاء المتمدرسين بمنازلهم حفظا لسلامتهم وحماية لصحة ذويهم من العدوى وتفادي تفشي انتشار الفيروس. وإزاء هذا التوقف للدروس الحضورية بجميع المؤسسات التعليمية، اعتمدت وزارة التربية الوطنية آلية التعليم عن بعد، كإجراء لضمان الاستمرارية البيداغوجية.
غير أن هذا التعليم الذي صارعن بعد بالنسبة للمدراسات والمدرسين وهم يبذلون قصارى جهودهم لإنتاج موارد رقمية ودروس مصورة قصد تمكين التلميذات والتلاميذ من متابعة تحصيلهم الدراسي، أصبح تعليما عن قرب بالنسبة للأمهات والآباء، بحيث أصبحت الأسرة مدعوة خلال هذه المرحلة الاستثنائية للانخراط في هذه العملية التعليمية عن بعد قصد بلوغ أهدافها، وهو ما يستوجب تملك الأسر للحد الأدنى من المعرفة وبعض المهارات حتى يتسنى لها القيام بمساعدة أبنائها على مختلف عمليات التعلم المستجدة.
وهنا يتجلى دور أساسي أخر لتعليم الكبار لإنجاح آلية التعليم عن بعد التي لجأت إليها الوزارة كوسيلة تتماشى مع حالة الطوارئ الصحية التي يعيشها المغرب، وبالتالي يمكن القول بأن المجتمع، خلال هذه الأزمة، سيجني ثمارا أخرى لبرامج محو الأمية التي تشرف عليها الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية. بالإضافة لما قد يكون لهذه الظرفية من دور أساسي في تقوية حافز وظيفي آخر لدى الكبار وترسيخ اقتناعهم بضرورة التعلم لاكتساب المهارات القرائية وبعض المعارف الأولية في المعلوميات، كما ستؤكد أن إصلاح التعليم مرتبط عضويا بالتغلب على آفة الأمية، بحيث سيعود ذلك بالنفع على تمدرس الناشئة، دون الحديث كذلك عما لمحاربة الأمية من آثار إيجابية سواء على مستوى الأفراد أو المجتمع أو الاقتصاد الوطني، وعن مدى أهمية برامج ما بعد محو الأمية والتعلم مدى الحياة والتي يستدعي نجاحها التكوين الناجع والفعال، والتكوين المستمر والتأهيل واحتضان تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز محو الأمية، والاعتناء خصوصا بتكوين الأطر الملائمة لبرامج محو الأمية والمكتسبة لكفايات ومؤهلات تهيؤهم أساسا للتعامل مع هذه الفئة الخاصة من المتعلمين الكبار، قصد تخليصهم من براثين الأمية وجعلهم قادرين على الانخراط الإيجابي في مسلسل التنمية المأمول.
ولعلى استفادة العديد من الأسر من برامج محو الأمية وتعليم الكبار مكنتها من القدرة، ما أمكن، بمعية أساتذتهم على مسايرة التحصيل الدراسي لبناتها وأبنائها وتعليمهم عن بعد، والذي أصبح بالنسبة إليها تعليما عن قرب كما سلف الذكر. وهذا يعود بالطبع في جانب كبير منه، إلى ما استطاعت الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية من إنجازه في مدة قصيرة بعد إحداثها عمليا سنة 2013، بالرغم مما ورثته من هياكل قديمة وحصيلة ثقيلة من التجارب غير الموفقة، التي كانت تعتمد استراتيجيات تقليدية متجاوزة، وبالرغم كذلك من اشتغالها تحت ضغط تعدد الواجهات بما في ذلك مأسسة الوكالة وإرساء هياكلها الجهوية والإقليمية، والبحث عن اتفاقيات الشراكة والدعم والتعاون وطنيا ودوليا، وإعداد عدة التأطير الأندراغوجي البيداغوجي وتكوين منشطي ومنشطات محو الأمية… ناهيك عن ضعف ميزانيتها المالية وقلة إمكانياتها اللوجستيكية ونقص في المعدات والوسائط الديداكتيكية والتجهيزات اللازمة بمراكزها.
وحيث أن لا أحد يجادل في أن آفة الأمية تعد من أخطر العاهات التي تواجه المجتمع، وتحول دون تطوره ودون تحقيق التنمية المستدامة المنشودة، فإن الأمر يقتضي تبني نموذج تنموي يجعل التعليم ومحاربة الأمية من بين أولويات السياسات العمومية، حيث تنبني أسسه انطلاقا من دروس هذه الأزمة الصحية المفاجئة. كما أن الأمر يستوجب كذلك استلهام العبر من هذه الجائحة في مواجهة تحديات المستقبل، واستشراف آفاق تطوير إستراتيجية الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية وتجويد خططها ومناهجها وتوفير الأدوات والوسائل الكفيلة بتنفيذ تصوراتها المستقبلية وإنجاح استراتيجيتها، وذلك بالرفع من ميزانية الوكالة حتى تتدارك الخصاص في الأطر واللوجستيك والتجهيزات العلمية والعدة الأندراغوجية البيداغوجية، وتمكينها من استثمار تكنولوجيا الإعلام والاتصال في أفق إدماج التعليم الإلكتروني والرقمي في منظومتها التعليمية والتكونية، وجعلها في مستوى إعداد الموارد البشرية القادرة على التأقلم مع المستجدات المفاجئة، والمؤهلة لتدبير الطوارئ غير المسبوقة وضمنها التي تتطلب التباعد الاجتماعي، كما هو الحال مع وباء كورونا، حيث تستدعي هذه المرحلة العصيبة خطة أندراغوجية بديلة لمواصلة برنامج محو الأمية واستدامة التعلم عن بعد عبر موقع الوكالة على شبكة الإنترنيت، أو منصة رقمية أو وسائط إلكترونية أو إعلامية أخرى كخيار أندراغوجي لضمان استمرار التحصيل المعرفي واحتواء أثار التوقف المفاجىء للدروس الحضورية في محو الأمية خلال هذه الظرفية العصيبة.، وذلك بما يضمن حق المستفيدات والمستفدين في اكتساب الكفايات والمهارات المقررة خلال الموسم القرائي الجاري.