حكومة سعد الدين العثماني الثانية أثارت الكثير من الملاحظات، أولها مرتبط بالدافع إلى اجراء التعديل، واهم ما فيه ما كشف عنه رئيس الحكومة عندما قال بأن الكثير من أعضائها كانوا بدون مهام، ومعنى ذلك ان المظهر الأساسي الذي أريد تصحيحه هو عطالة الوزراء الناجمة عن الترضيات التي تحكمت في تشكيل حكومة العثماني الأولى.
هذا الدافع يتدعم برغبة جلالة الملك في إعطاء معنى للمحاسبة وللكفاءة وتجسيدها في الممارسة الحكومية كمحددات أساسية في هيكلة الحكومة، حيث أن الخطاب الملكي كان واضحًا في مسألة الكفاءة، ولا يمكن أن تتجسد مرامي هذا الخطاب بالاستمرار في اجترار حكومة قائمة على منطق الترضيات.
وقد حقق التعديل هدفًا له ثالثًا تجسد في تقليص عدد أعضاء الحكومة، وهي الظاهرة التي أصبحت مشهودة في الكثير من الدول التي يفترض أن يقتدي بها المغرب.
لكن، الذي لا يجب أن نغفل عنه هو أن تدبير هذا التعديل من طرف رئيس الحكومة تميز بكونه غير صائب في بعض اختياراته، وغير موفق في مجالاته، فلقد اصبح معروفا أن الكثير من المجالات لم تسند إلى أي وزارة ومن جملتها الإعلام، كما قد اصبح بينا كيف ان الرأي العام يعرف كيف فرضت بعض الاسماء ومحدودية كفاءتها.
وما اعتبره إيجابيًا في كل هذا، هو ان المناسبة ستمكن من طرح مفهوم الكفاءة للنقاش، فما هو المقصود بها، هل الكفاءة المطلوبة هي الكفاءة السياسية، أي التوفر على مؤهلات معرفية وخبرة سياسية تتيح لصاحبها تدبيرًا ناجحًا وإدارة فعالة لمسؤوليته وقطاعه، او ربما المطلوب هو امتلاك المؤهل اللغوي او المعرفي في مجال من المجالات.
فالطبيب يمتلك الكفاءة، والأستاذ يمتلك الكفاءة، والقاضي والمهندس والصيدلي كذلك، ولكن هل تصلح هذه الكفاءة المعرفية لتدبير القطاعات السياسية.
وطبعا، فإذ نثير هذه الأسئلة، فإننا لا نقصد من وراء ذلك التقليل من المؤهل الدراسي أو الجامعي، فلقد اصبح محسوما ان الأمية لا فرصة لها في مجال التدبير العمومي الناجح، وكل تأخر في اشتراط المؤهل الدراسي أو التراجع عنه معناه تفويت فرص كثيرة على بلادنا.
نريد فقط ان نثير نقاشا يصب في الهدف الحقيقي، حتى لا نتسبب في هدر المزيد من الوقت.
من زاوية أخرى، فالموضوع يجب أن يثار على مستوى الأحزاب السياسية، فما دور هذه الأحزاب، في تكوين النخب المؤهلة وذات الكفاءة السياسية؟؟؟
ونحن اذ نثير هذا السؤال فهو لسببين، أولًا لما أصبحت تشكله الفئة الغير المنتمية للأحزاب من النسبة العامة من الوزراء من جهة، ومن جهة ثانية لمعايير الكفاءة التي أصبح يتم البحث عنها في غير الحزبيين، إذ لم يلمس الكثيرون تميزًا كبيرًا في كفاءة بعض الوزراء الذين حافظوا على مقاعدهم الوزارية مقارنة مع الذين فقدوها، بل ان بعض الذين تم إعفاؤهم كانوا ربما اكثر جدارة.
ويبقى السؤال الأساسي هو أين الأحزاب السياسية من وظيفة انتاج النخب، لقد ابانت عن فشل كبير في مجملها، فنظرية الدكاكين السياسية لا تصدق فقط في التزكيات للمهام التمثيلية، بل أيضًا في انتاج النخب للمهام الحكومية والعمومية في مجملها، فمازالت قنوات التنخيب غير منظمة، ومازالت الأحزاب تسير وفق أساليب غارقة في القدم، تتنافى مع استقطاب النخب، وتشجع على العزوف، وهذا ما يبرر بحث هذه الكفاءات عن أساليب الترقي السياسي خارج الاحزاب وهو ما يجعلها تفرض نفسها على النظام السياسي في بعض الفترات كفريق إنقاذ.