دعوا موتانا يرقدون في سلام

محمد الشنوني وسعيد بحاجي (مترجم) مقال من المجلة الشهرية "BAB" رقم 4

واقع مظلم ذاك الذي تعيشه المقابر بالمغرب. وإذا ما كان هناك استثناء، فلن تكون سوى بعض المساحات المحسوبة على رؤوس الأصابع والمنتشرة في جميع أنحاء البلاد.
أصبح الازدحام، وغياب الصيانة، وانعدام الأمن وكل أشكال الاعتداء إلى جانب أعمال السحر والشعوذة، تسود المقابر، بل حتى إن بعضها صارت ملاذا للمجرمين والسكارى.
قالت عزيزة التي أتت يوم الجمعة إلى مقبرة الشهداء بمكناس للترحم على أبيها “غالبية المقابر مزدحمة بشكل كبير، متهالكة وغير آمنة. لقد تحولت مع مرور الوقت إلى مكان خطير ومرتع للمشردين”.
وأشارت هذه السيدة الأربعينية في تصريح لـ “باب” إلى أنها لا تستطيع التوجه إلى المقبرة سوى صباح يوم الجمعة، أي في الوقت الذي يتواجد بها بعض الأشخاص، مضيفة أنه أصبح من المستحيل الترحم على قبر أحد المقربين دون أن تتعرض للإزعاج. علاوة على ذلك ، فهي تتأسف لأن هذه المقبرة المتواجدة في العاصمة الإسماعيلية، تعد واحدة من أكبر المقابر في البلاد – لكونها تمتد على مساحة أكثر من 26 هكتار – ومن المفترض أن يتم الاعتناء بها، في حين أن الواقع الذي يتم معاينته هو أنها تحولت إلى مطرح عمومي وملاذ للمنحرفين والمتشردين.

إعلان

رأي مماثل عبر عنه حارس مقبرة صغيرة في نفس المدينة، والذي أضاف إلى نفس هذه الحقيقة المؤلمة، مسألة كون المقابر تتعرض إلى التدنيس بسبب طقوس مزعومة للسحر والشعوذة. وأوضح أنها أصبحت نقطة سوداء بعد أن أضحت تمثل فضاء ملائما للصوص الذين يأتون لاقتسام غنائمهم.
بالنسبة إلى هذا الشخص الخمسيني، فإن هذا الموقف يصعب من مأمورية الحارس، الذي لا يستطيع الاشتغال في هذه الظروف بمفرده.
على بعد بضعة كيلومترات من مكناس ، بالكاد يتغير المشهد في مقبرة سيدي غريب في الخميسات: إهمال واضح وتدهور خطير.
واقع عبر عنه حسن، أب أسرة، بقوله بنبرة مريرة “استغنيت في كثير من الأحيان عن مسألة الترحم على والدي. فكما ترون ، لقد غزت النباتات والأعشاب كل الممرات”.
باختصار ، هو نفس الوضع : تدهور وضعية الجدران، كتابة غير مقروءة، شواهد القبور محطمة، نفايات ، استهلاك كحول ومخدرات ، غياب الصيانة والأمن …
الرباط … المقابر تعيش مفارقة
ماذا يمكن القول عن مقبرة الشهداء بالرباط المطلة على الأوداية بحي المحيط ؟ مفارقة واضحة. على الرغم من أن المقبرة تمتد على عدة هكتارات إلا أن دفن الموتى لا يتم على نفس المنوال. ويتضح الفرق بشكل جلي عند السير بداخلها. فتجد جهة تم تشييدها على نحو منظم ، أما بالجهة الثانية، فعلى الزائر أن يشق طريقه بها وسط الأعشاب البرية.
جدار طويل يفصل بين الجانبين. الفضاء الأول يتميز بالنظام والنظافة والصيانة واحترام الموتى، وتتم العناية به وتنظيمه بشكل جيد. فالعديد من الشخصيات البارزة مدفونة هناك. من ناحية أخرى ، وعلى الجانب الثاني من الجدار ، تعم الفوضى.
يصعب الوصول إلى أحد القبور دون الدوس على آخر، علما أن المعيار الذي يجب اعتماده هو ترك 40 إلى 50 سنتمترا بين قبرين وحوالي 60 سنتمترا للأزقة.
وتلخص خلفية المساحة الثانية من مقبرة الشهداء في الرباط الوضع العام السائد في العديد من أماكن الدفن في المغرب.
وهنا يطرح السؤال حول من يتحمل المسؤولية؟ إذا كان تدبير المقابر من مسؤولية السلطات المحلية ، لا سيما الجماعات، فإن جهات أخرى بدورها تتحمل المسؤولية ويجب عليها العمل باستمرار لتحسين مقابرنا.
المجتمع المدني بدوره معني بهذه المسألة، ويبذل كل جهوده من خلال انخراط الجمعيات والحركات المواطنة في جميع أنحاء المملكة.
وفي هذا الصدد، تبرز مبادرة “أنقذوا مقابر المغرب ” التي أطلقها رضوان سيور وهو مغربي مقيم في بلجيكا عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك).
ونشأت هذه المبادرة في سنة 2013 عندما تمت إعادة رفاة والد سيور إلى مقبرة المجاهدين في مدينة طنجة.
وفي هذا السياق، قال ل “باب” إنه قرر المساهمة في تغيير الأشياء، “لقد بدأت من خلال إطلاق دعوة إلى المواطنين عبر موقع (فيسبوك) ونشر صور ومقاطع فيديو من المقابر موجهة إلى مستخدمي الأنترنيت. ثم شرعنا في جمع التبرعات”.
وأشار إلى أنه بفضل مبادرة “أنقذوا مقابر المغرب” المنفتحة على المقترحات المختلفة ، تم تنفيذ العديد من الإجراءات والتي تتواصل من أجل إعادة تأهيل المقابر في المدينة بهدف توسيع نطاقها لتشمل العديد من المناطق الأخرى.
إعادة تأهيل والحفاظ على المقابر هو مشروع مشترك يهم الجميع.
لقد حان الوقت للنظر في المسألة بجدية ومن منظور روحاني وإنساني.
موتانا يستحقون الاحترام، وأرواحهم كذلك.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...