جلال الغريب.. من حافة الضياع إلى أستاذ للغة العربية بمركز محاربة الأمية بحي ظهر القنفوذ بطنجة

بقلم عزيز رامي - و.م.ع

بالكاد في ربيعه الثاني والعشرين، أصبح جلال الغريب أستاذا للغة العربية بمركز محاربة الأمية والتربية غير النظامية بالحي الشعبي ظهر القنفوذ بطنجة. الشاب الواسع الثقافة والرصين اللغة الذي صار عليه اليوم، هو نتاج رحلة طويلة عادت به من حافة الضياع، رحلة شاقة كابد فيها أنواء الحياة لتكافئه بوضع محترم جزاء على مثابرته.

وبالفعل، أسر جلال لوكالة المغرب العربي للأنباء أنه اضطر لمغادرة صفوف الدراسة وهو في سن الرابعة عشرة بسبب “صعوبات مالية ووضع عائلي لا يطاق”، قبل أن يضيف أنه في مواجهة هذا الوضع كاد أن يقع في شراك الانحراف لولا أن امتدت إليه يد العون والإدماج في سوق العمل في الوقت المناسب.

ويضيف هذا الشاب الطنجاوي، ببحة خجل في صوته، أنه “تمكن بشق الأنفس من العثور على عمل بسوق الجملة بطنجة، حيث اضطر بسبب نقص الخبرة والرأسمال إلى العمل كحمال لعدة أشهر، حيث كان يساعد على تفريغ الشاحنات أو حمل أثقال المتبضعين”.

لكن، نحو عام 2014، تواصل جلال للمرة الأولى مع الجمعية الجهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب – فرع بني مكادة – حيث تابع مسار التربية غير النظامية بالموازاة مع دروس في الطبخ وإعداد الحلويات، مستدركا أن “حلمه كان دوما أن يصبح مدرسا”.

بعد الانتهاء من التكوين، استطاع هذا الشاب المثابر، بدعم من مونية حاجي الزهر، رئيسة فرع بني مكادة للاتحاد الوطني لنساء المغرب، الحصول على عمل كمؤطر في مجال محاربة الأمية لفائدة نزلاء السجن المحلي بطنجة.

وتابع أنه تعلم الكثير من هذه التجربة، ليس فقط على المستوى المهني، بل خاصة على مستوى التكوين الشخصي وربط العلاقات، منوها بأن هذه التجربة كانت “جد غنية، وأكسبته الكثير من التواضع”.

فضلا عن مساره المهني كمؤطر محو الأمية، اشتغل في مهن صغيرة وواصل التدريب في مهنة إعداد الحلويات بعدد من الفنادق، حيث وسع من مداركه في المجال، قبل اشتغاله كمدرس في المركز ذاته الذي انتشله من حافة التيه والضياع.

في عام 2018، تلقى اقتراحا للاشتغال كمعلم للغة العربية للتلاميذ المسجلين في فصل التربية غير النظامي، معربا عن أن الاقتراح “كان مبعث فخر وضربة حظ تلقفتها بحرارة”.

في هذا السياق، تتذكر السيدة السيدة مونية حاجي الزهر أن “جلال انخرط في برنامج آفاق للتكوين غير النظامي، لكنه تلقى تكوينا أيضا في مجال الطبخ والحلويات، مشيدة ب “مثابرته الجلية وحسه المتميز بالمسؤولية”.

وأضافت أن المدرس الشاب أبان عن حس رفيع بالالتزام واحترام الآخرين والعمل الجماعي”، معربة عن “مفاجأتها السارة” سواء بالتزامه او باندماجه السلس ضمن المجموعة.

من جانبه، يؤكد اسماعيل بنطاهر، زميله في العمل والمسؤول التربوي بالجمعية النسوية، أن “جلال طفل كبر بين أحضان الجمعية، يضبط بشكل مثالي المادة التي يدرسها، ليس على المستوى المهني فقط، بل أيضا على المستوى الشخصي”.

ويرى السيد بنطاهر أن جلال مثال للشاب المثابر والمنضبط الذي تمكن من تجاوز الصعوبات التي أعاقت قدراته على التطور، خاصة الخوف. شاب له كافة المؤهلات والصفات لكي يكون قدوة لشباب اليوم”.

بخصوص هذه النقطة، تعتقد فاطمة الزهراء مرون، تلميذة جلال ذات 14 ربيعا، أن “الفرق الطفيف في السن بين جلال والتلاميذ يجعل التفاهم أكبر، وبالتالي التكوين أسهل”، مضيفة أنه بمثابة “أخ كبير لنا”.

وإذا كان جلال قد حقق حلمه في أن يصبح مدرسا، فإنه يطمح اليوم لأن ينطلق في عالم المقاولة مستفيدا من شهادته وخبرته في الطبخ وإعداد الحلويات.

ويختتم حديثه أنه “يتعين التسلح بالمثابرة والالتزام لتحقيق الأهداف، لكن أيضا يتعين التحلي بالجدية واحترام الوالدين”.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...