مسودة مشروع القانون الجنائي، أية مستجدات ؟

يعرف المغرب اليوم عدة نقاشات بخصوص مجموعة من المواضيع التي تهم ترسانته القانونية المرتبطة بكل مناحي الحياة سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية. وحقيقة الأمر أن تنوع وتطور هذه الحياة البشرية عموما لهو أهم الأسباب الكامنة والدافعة إل

طنجة نيوز – بقلم عبدالناصر البقالي
دكتور في الحقوق – القانون الخاص

يعرف المغرب اليوم عدة نقاشات بخصوص مجموعة من المواضيع التي تهم ترسانته القانونية المرتبطة بكل مناحي الحياة سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية. وحقيقة الأمر أن تنوع وتطور هذه الحياة البشرية عموما لهو أهم الأسباب الكامنة والدافعة إلى تطوير القوانين الوضعية بالشكل الذي يساير وينظم ضروريات وحاجيات المجتمع. ومن هذا المنطلق برزت عدة دعوات وبإلحاح شديد من مختلف المشارب السياسية والحقوقية غايتها مراجعة منظومة القانون الجنائي.

وعليه فقد أثيرت بشأن القانون الجنائي المزمع مراجعته عدة مواقف وآراء متباينة، سواء من حيث الأفعال الإجرامية والآثار التي تخلفها هذه الأفعال، ولا من حيث العقوبات المترتبة عنها.

وفي إطار النقاش الدائر حول مسودة القانون الجنائي، وكذ تتبع القراءات التي أثيرت بشأنه لا من طرف السياسيين أو الحقوقيين أو رجال القانون . سوف ننظم إلى هذا النقاش بصفتنا باحثين في المجال القانوني، ليس إبداء لرأينا الشخصي أو للاصطفاف إلى جانب معين من هذه المواقف. لكن لاثارة ملاحظات حول الأحكام التي جاءت في مسودة القانون الجنائي. ولأجل ذلك سنتحدث في المحورين أسفله عن:

المحور الأول: الأسباب الكامنة وراء المراجعة
المحور الثاني: أبرز مستجدت المسودة

المحور الأول: الأسباب الكامنة وراء المراجعة
لقد أعلنت وزارة العدل بتاريخ 31 مارس 2015 على موقعها الالكتروني عن مسودة مشروع القانون الجنائي الجديد. التي لم تأتي بسهولة بل سبقتها وتلتها عدة ندوات أعدت لهذا الغرض من أجل إعطاء الفرصة لكافة المهتمين والمتدخلين لإغناء الحوار. وبالتالي إنتاج وثيقة أكثر ما يقال عنها أنها احترمت المبدأ التشاوري بين كافة الأطراف، لأن الأمر هنا لا يهم تعديلات عابرة وجزئية كالتي ألفناها من 26 يونيو 1962 مع صدور المجموعة المعمول بها حاليا. بل إننا أمام تعديلات ضخمة وكبيرة مست القضايا المثيرة للتقاطب السياسي والحقوقي كالإجهاض والإعدام بالإضافة إلى ظاهرة الإرهاب والعقوبات البديلة وحماية المرأة والطفولة…

إن التفكير في تعديل مجموعة القانون الجنائي ومراجعتها لم يكن اعتباطيا هكذا بل هناك ظروف وأسباب هي الدافع الأساسي للقيام بهذه المراجعة ونجمل أهمها في التالي:

• ملاءمة نصوص القانون الجنائي مع المقتضيات الجديدة التي جاء بها الدستور الجديد وبالموازاة مع ذلك ملاءمة التشريع الجنائي الداخلي مع التشريعات الخارجية ونخص بالذكر الاتفاقيات الدولية التي صادق علها المغرب ولزمت بلادنا لا سيما تلك المتعلقة بالجريمة العابرة للقارات والإرهاب وحقوق الإنسان. والعمل كذلك في إطار هذه المراجعة على إلغاء كل ما لا يتوافق مع هذه الاتفاقيات التي تمس الحريات الفردية.
• الدعوة من طرف رجال القانون خصوصا بعد عقد مجموعة من الندوات والمؤتمرات في هذا الإطار إلى تحرير نصوص القانون الجنائي التي تتسم بالقسوة كون أن الهدف الأول هو العقاب ولا شيئ غيره.
• تنزيل التوصيات التي خرج الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.
• التطور الكمي والكيفي للجرائم وتأثيرها السلبي على أمن المجتمع وأفراده، دافع أساسي للقيام بالمراجعة بهدف إنتاج قانون جنائي حديث وعصري.

المحور الثاني: أبرز مستجدت المسودة
إن نشر نصوص مسودة مشروع القانون الجنائي وطرحها للنقاش لإشراك الرأي العام في ذلك من أجل توجيهه لإبداء الرأي لأن الأمر يتعلق مجتمعي كبير يستدعي والحالة هاته أن يعرف ويعلم به الجميع في إطار عملية إخبار واسعة النطاق لكي يتدبر مضامينه ومقتضياته.

هذا وبعد قراءة نصوص المسودة وإعمال نوع من المقارنة بينها وبين القانون الحالي نخلص إلى أن المسودة وكيفما كان الحال جاءت بعدة مستجدات نجما أهمها في التالي:
• لقد جاءت المسودة بجرائم جديدة لم تكن في النسخة الحالية للقانون الجنائي كجرائم الإبادة وجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب والاختفاء القصري وتهريب البشر والتحريض على الكراهية.
• لقد تم خفض العقوبة في العديد من الجرائم وتجنيح البعض الآخر وتم إقرار عقوبات جديدة وتقليص الفارق بين الحدين الأدنى والأقصى وتشديد بعض العقوبات بالنظر لخصوصيات الضحايا كالأطفال مثلا كما تم حذف الاعتقال في المخالفات والتخفيض من المواد التي تنص على عقوبة الإعدام وتحويلها إلى السجن المؤبد.
• كما أن من بين المستجدات التي جاءت بها المسودة هو إقرار نظام العقوبات البديلة والاستعاضة بها عن العقوبات السالبة للحرية للوصول إلى عدالة إدماجية بذل العدالة التي تراهن على العقوبة الرادعة، وكذا بهدف ألسنة العقوبة والتخفيف من اكتضاض السجون .
• تشجيع العدالة التصالحية ومساطر الصلح والتنازل عن الشكاية أو ما يعرف بالبدائل الدعوى العمومية
• المسودة كذلك لم تنسى حمايتها للأسرة باعتبارها نواة المجتمع الأساسية فقد جرمت ترك وإهمال الواجبات الزوجية والإمتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية وتجريم تبديد الزوج لأمواله.
• لقد عملت المسودة على حماية المرأة والطفل فقد نصت على تجريم الإكراه في الزواج وتشديد في حالة السب والقذف الذي يستهدف المرأة . أما فيما يخص الطفل فقد استثنت من تطبيق العقوبات البديلة على الجرائم التي تقترف صد الأطفال القاصرين وخاصة جرائم الاستغلال الجنسي.
• لقد نصت المسودة كذلك على محاربة الفساد وإرساء مبادئ الشفافية والنزاهة.

خاتمة
على سبيل الختم نود القول بخصوص مسودة مشروع القانون الجنائي والمستجدات التي جاءت بها ما هي إلا تنزيل للخطوط العريضة لمجموعة من الاتفاقيات الدولية وملائمة قانونه الجنائي مع التوجه العالمي.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...