تطوان .. مدينة نموذجية في احترام السائقين لأسبقية الراجلين
ثمّة ملاحظة لا بدّ أن تُلفتَ انتباه زائر مدينة تطوان حين يتجوّل في شوارعها ودروبها، وهي اختلاف سلوك مستعملي الطريق، سواء من سائقي العربات أو الراجلين، عن سلوك نظرائهم في باقي مدن ومناطق المغرب.
طنجة نيوز – محمد الراجي (هسبريس)
ثمّة ملاحظة لا بدّ أن تُلفتَ انتباه زائر مدينة تطوان حين يتجوّل في شوارعها ودروبها، وهي اختلاف سلوك مستعملي الطريق، سواء من سائقي العربات أو الراجلين، عن سلوك نظرائهم في باقي مدن ومناطق المغرب.
في “الحمامة البيضاء” لا يستعمل السائقون منبّهات عرباتهم إلا في حالات نادرة، لكن الملاحظة الأكثر لفْتا للانتباه هي الاحترام الشديد لأسبقية الراجلين، إذ يكفي أن يعبُر راجل واحد الطريق حتى تتوقّف العربات إلى حين عبوره.
وثمّة ملاحظة أخرى، وهي أنّ الراجلين غالبا ما يعبرون الطريق في الممرات الخاصة بهم. هسبريس عاينت هذا السلوك المتحضر، وسألت عددا من السائقين والراجلين، فكان الجواب الذي نطقت به مختلف الألسنة هو أنّ هذا السلوك نتاج ثقافة تُرسّخ في وعي التطوانيون منذ الصغر.
تقول طبيبة شابة بعد أن ركنت سيارتها: “هادشي تعلّمناه من الصغر. والِدينا علمونا أن الراجلين عندهم حق الأسبقية في الطريق، ولكن خاصهم يقعطو الطريق فالشراطي ديالهم”، (تقصد ممرات الراجلين).
وتضيف المتحدثة ذاتها: “حنا كنحتارموهوم حيت هوما كيحتارمو راسهم. كيقطعو فالموطع اللي خصهم يقطعو منو. هادشي علاش كنعطيوهم حق الأسبقية. واخا مول الطوموبيل مزروب خصو يوقف حتى يقطعو الراجلين هوما اللوالا”.
في تطوان يحافظ سائقو العربات على هدوء أعصابهم.. رغم زحمة المرور وسط المدينة لا يلجؤون إلى استعمال منبهات سياراتهم عند الإشارة الضوئية إلا إذا تأخّر السائق الذي في المقدمة عن الانطلاق مدة أطول مما ينبغي. أما الراجلون فيعبُرون بأريحية دون أن يحثّهم السائقون على العبور مُسرعين.
“نعم، مّالين الطوموبيلات كيعطيونا حق الأسبقية”، يقول شاب بعد أن عبر الطريق، وتقول شابة: “في تطوان ملي تجي تقطع الطريق كيوقفو لك الطوموبيلات.. كنسبقو حنا (تقصد الراجلين) اللاوالا عاد يدوزو هوما”، مؤكدة أن الراجلين بدورهم يحترمون السائقين بعبور الطريق في ممراتها الخاصة، قائلة: “من نهار خلاقيت وانا كنعرف راسي كنقطع فالشراطي”.
ثقافة احترام الآخر هذه لا يتباهى بها التطوانيون، بل يشهد لهم بها غيرُهم..يقول مسؤول أمني متقاعد جاء إلى مدنية تطوان من سيدي يحيى الغرب منذ سنة 1973: “الأدب والاحترام بين الناس اللي كاين هْنا ما كاينش فشي بلاصة أخرى فالمغرب”.
وفيما يرى البعض أن ثقافة الاحترام هذه ناتجة عن تأثر التطوانيين بالثقافة الأوروبية، نظرا للقرب الجغرافي بين شمال المملكة وإسبانيا، يرى هذا الأمني المتقاعد خلاف ذلك قائلا: “الناس ديال تطوان متحضرين ماشي حيت متأثرين بالثقافة الأوروبية، ولكن لأن العائلات التطوانية الأصيلة لديها هذه الثقافة”.
لكنّ سائق سيارة أجرة اعتبر أن التأثر بالثقافة الأوروبية ساهم في تحضّر سلوك مستعملي الطريق التطوانيين، بقوله: “كنشوفو الناس اللي كيجيو من أوروبا، وكنمشيو لسبتة وكنشوفو الناس كيحتارمو قانون السير، وحتى حنا كنحتارموه، وخصنا نعملو أحسن منهم گاع”.
ويُعدّ الراجلون من أكثر فئات مستعملي الطريق الأقلّ حماية، إذ يتم تسجيل أكثر من 1000 قتيل سنويا في المغرب في صفوفهم، أي بنسبة 28 في المائة من العدد الإجمالي للقتلى، وأزيد من 20 ألف جريح، بنسبة أكثر من 20 في المائة من العدد الإجمالي للجرحى.
وتقع أغلب حوادث السير بسبب العبور العشوائي للراجلين وكذلك لعدم انتباه السائقين، حسب معطيات اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير.