الشيخ “ياسين الوزاني” يحاضر بطنجة حول تربية الروح

بدعوة من جمعية “السعادة للتنمية والتضامن” بطنجة، وفي إطار افتتاح موسمها الثقافي والإجتماعي لسنة( 2017 )، نظمت الجمعية يوم الجمعة الماضي، محاضرة قيمة ألقاها فضيلة الشيخ “ياسين الوزاني” في موضوع “التربية الروحية وحقيقة الذكر ” بقاعة العروض التابعة لمجل

طنجة نيوز
بدعوة من جمعية “السعادة للتنمية والتضامن” بطنجة، وفي إطار افتتاح موسمها الثقافي والإجتماعي لسنة( 2017 )، نظمت الجمعية يوم الجمعة الماضي، محاضرة قيمة ألقاها فضيلة الشيخ “ياسين الوزاني” في موضوع “التربية الروحية وحقيقة الذكر ” بقاعة العروض التابعة لمجلس مدينة طنجة بحضور جمهور غفير غصة قاعة العرض عن آخرها.

وبعد افتتاح اللقاء الديني بآيات بينات من الذكر الحكيم، تقدم رئيس الجمعية “عبدالمالك العاقل” بكلمة بالمناسبة رحب فيها بالحضور الكريم وتذكير بأهم الأنشطة الخصبة التي تنظمها الجمعية على مدار السنة، ثم أعطيت الكلمة لفضيلة الشيخ ياسين الوزاني الذي أوضح أن دين الإسلام لم يقتصر على مجرَّد الدعوة للإيمان بالله فحسب؛ بل جاء للناس بمنهج تربوي كامل وشامل، لشتَّى فروع التربية الَّتي تستند إليها المجتمعات الإنسانية، في عمليَّة التقدُّم والتطوُّر نحو الأفضل، وفي سـبيل تحقيق ما يصبو إليه أفرادها من سعادة ونجاح، وطمأنينة وسلام.

وذكر الوزاني أن التربية الروحيَّة نواة التربية الإسلامية وجوهرها، وقد قامت على قواعد قويَّة، وأسس متينة من شأنها توطيد أواصر الصلة بين المسلم وربِّه، وربط أسباب دنياه بأسباب آخرته. وقد رافقتها التربية الأخلاقية كظلِّها، ثمَّ أُكملتا بالتربية الاجتماعية، الَّتي كانت بمثابة الطابق الثالث في بناء التربية في الإسلام. وإن أهمَّ طاقة تنير هذا البناء: دوام ذكر الله وتسبيحه، وتلاوة كتابه، والاستقامة على عبادته، والتضرُّع إليه بالدعاء.

وقال الوزاني إن من أبرز سمات تربية الإسلام الروحية، الاعتدال والتوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد، وأقرب مثال على ذلك العبادات الَّتي تُعنى بالجانبين الروحي والمادي في الإنسان، وقد جُعلت متنوِّعة ومتكرِّرة ليبقى المسلم على طهارة روحية متجدِّدة تقرِّبه من الله، وتجذبه إليه كلَّما نأت به ماديَّات الحياة بعيداً عن الحضرة الإلهية، مشيرا على أن صحة النفس وسلامتها هي الاعتدال في طريق الانسانية، ومرضها وسقمها هو الاعوجاج والانحراف عن طريق الانسانية، وان الأمراض النفسية أشد فتكاً بآلاف المرات من الأمراض الجسمية، وذلك لأن هذه الأمراض إنما تصل الى غايتها بحلول الموت، فما أن يحل الموت وتفارق الروح البدن حتى تزول جميع الإمراض الجسمية والاختلالات المادية، ولا يبقى اثر للآلام أو الأسقام في البدن، ولكنه إذا كان ذا أمراض روحية وأسقام نفسيّة، لا سمح الله . فإنه ما أن تفارق الروح البدن وتتوجه إلى ملكوتها حتى تطّهر آلامها وإسقامها.

لأن الذنب هو الداء الذي يؤدي إلى موت الروح كما يؤدي المرض إلى موت الجسد ولو كان البدن يرتاح بالموت من الإسقام والآلام فلا ترتاح الروح بعد الموت بل تجد أثره حياً وتجده محضراً أمامها، وآلام الروح أما أن تكون ملازمة للروح لا تنفك عنها وأما أن تكون قابلة للزوال، فكلما ازداد تعلق الروح بالذنب كلما صعب التخلص منها والأفضل أن تتخلص الروح منها قبل الوقوع فيها لأن الوقاية خير من العلاج وهذه هي الشفاعة القيادية.

وأشار فضيلة الشيخ، على إن ذكر الله تعالى هو قوام الحياة الروحية، وهو العنصر الفعَّال الَّذي يتفاعل داخل كيان الذاكر، ويتَّحد مع ذرَّات القلب ليتحوَّل إلى طاقة نورانيَّة ربانيَّة، تولِّد في روح المؤمن القوَّة والنشاط، وتدفعه للقيام بالمزيد من الطاعات والعبادات والعمل المنتج، وهو عطاء مستمر لا ينقطع، ومن ثمراته خروج المؤمن من الظلمات النفسيَّة والماديَّة إلى رحاب الحقِّ والحكمة والعمل الصالح، وهذا من رحمة الله بعباده وهو أرحم الراحمين ـ ففي الدار الآخرة ـ يوم اللقاء العظيم مع حضرة الله تعالى ـ يجد المؤمن كل سلام وتقدير ومحبَّة، مع التكريم في المُقَام، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

لقد رزقنا العقل لندرك عظمته وقدراته الخلاَّقة، ووهبنا الحسَّ الروحي والفطرة السليمة، لنذوق حلاوة الإيمان، ومنحنا أجساماً قويَّة، كاملة البنية، لنستعين بها على القيام بالعمل المطلوب منَّا، ولنسخِّرها مع جملة الطاقات الَّتي أودعها الله فينا للتحرُّر من ظلمات الجهل والتقاليد، والخروج منها إلى نور العلم والمعرفة واليقين.
وفي الجزء الأخير من هذه المحاضرة القيمة أوضح فضيلة الشيخ ياسين الوزاني، أن الذكر ليس مجرَّد تحريك للِّسان؛ بل هو اتصال قلبي بالله، ونشاط روحي بنَّاء. والقلب الفارغ من الذكر يبقى لاهياً حائراً مظلماً، ما لم يحصل له الاتصال بالله والأنس بمجالسته، فإذا امتلأ من نور ذكره، صحا صاحبه من لهوه، واهتدى بعد حيرته، فأبصر طريقه وعلم من أين وإلى أين ينقل خطاه.

ويجب أن يكون الذكر مقترناً بالتسبيح الَّذي هو تنزيه لله جلَّ وعلا عما لا يليق به من الصفات، وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل التسبيح بقوله: «من قال سبحان الله العظيم نَبتَ له غرس في الجنَّة» (أخرجه ابن مردويه). كما أخرج ابن أبي شيبة عن مصعب بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال العبد: سبحان الله قالت الملائكة: وبحمده، وإذا قال: سبحان الله وبحمده، صلُّوا عليه».

وثواب الذكر هو صلاة الله وملائكته على العبد الذاكر المسبِّح لله {هُوَ الَّذي يُصَلِّي عَلَيْكُم ومَلائِكَتُهُ..}، وصلاة الله رعاية لعبده، وعناية بأمره، ورفع لدرجاته، وصلاة الملائكة استغفار له ودعاء. وهذا من شأنه أن يخرجه من ظلمات الضلالة إلى نور الله؛ ونور الله واحد متَّصل شامل، وهو يشرق في قلوب المؤمنين، ويغمر أرواحهم، ويهديهم إلى فطرة التَّوحيد الَّتي يقوم عليها الوجود كله.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...