طنجة: مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية سنة من العمل الدؤوب

بتعهدها على العمل الجماعي والمستمر من أجل صيانة وتطوير الموروث البيئي وكل المعالم الأثرية بطنجة، بل العمل على الزيادة في الفضاءات الخضراء والمتنفسات البيئية حتى تتناسب مع عدد السكان حاليا ومستقبلا، انطلق مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة في خ

بتعهدها على العمل الجماعي والمستمر من أجل صيانة وتطوير الموروث البيئي وكل المعالم الأثرية بطنجة، بل العمل على الزيادة في الفضاءات الخضراء والمتنفسات البيئية حتى تتناسب مع عدد السكان حاليا ومستقبلا، انطلق مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة في خطوة هي الأولى بمشاركة مجموعة من الغيورين على المجال البيئي والمآثر التاريخية بالمدينة أشخاصا ومؤسسات وأحزاب سياسية وهيئات وجمعيات المجتمع المدني من أجل النهوض بوضعية عروس الشمال.

محمية الرميلات ومغارة هرقل رمز تاريخي مهمل
في أول خطاها نحو معالجة التردي المستمر للموروث الأثري والحضاري الذي بات مهددا بالتلاشي بفعل شتى أنواع الإهمال والتدمير والنهب، وفي ظل وضع بيئي لا يقل قتامة بفعل زحف الإسمنت عبر السنوات على العديد من الغابات والأوساط الطبيعية بالمنطقة، حيث إن نمو المدينة لم يأخذ بعين الاعتبار ضرورة الحفاظ على البيئة، بل العكس حتى المساحات الخضراء التي كانت ضمن تصاميم التهيئة تم السطو عليها واجتثاثها بأيد آثمة، كانت الزيارة الأولى للمحمية الطبيعية الرميلات بييرديكاريس ومغارة هرقل التي وقف من خلالها الحاضرون على أهمية الموقعين من االناحية البيئية والتاريخية باعتبارهما رمزا دوليا لمدينة طنجة، حيث خلصت مشاكل الموقع الأول في التدهور البيئي الخطير الذي طال المساحات المشجرة وقلة النظافة، والحالة المؤسفة التي آلت إليها بناية القصر التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر.
وفيما يخص مغارة هرقل فقد كانت السمة البارزة فوضى المحلات التجارية والمطاعم والباعة المتجولين حول المكان، وعدم ملائمة موقف السيارات لطبيعة الموقع، والبناء المباشر فوق المغارة، وأشخاص يستغلون أجزاء خارج المغارة ويفرضون رسوما على الزوار، بل ووجود تجار وبائعين يستغلون حتى الواجهات الداخلية للمغارة، حيث حولوها إلى سوق عشوائي لا يراعي أي نظام أو ذوق.

منطقة الغندوري، “فيلا هاريس” “قلعة غيلان” “برج الغندوري”
شكلت الزيارة التي قام بها المرصد إلى المنطقة تسجيل تردي المنطقة على كل الأصعدة كما كان متوقعا، حيث ظهر جليا انتهاك المجال المحاذي للساحل وإقامة المباني التي تؤثر على المجال البيئي، استمرار الخطر المحدق بالمنطقة المشجرة المحاذية لتجزئة مالاباطا، استمرار التدهور الخطير لوضعية فيلا هاريس رغم تصنيفها ضمن المباني التاريخية منذ سنة 1997ن غياب التأهيل البيئي والمجالي لمنطقة بحيرة الشاط التي كانت مؤهلة لاحتضان موقع معرض طنجة 2012، غياب الرؤية المندمجة والوضوح والشفافية في تدبير المرافق الرياضية المحاذية لشريط ساحل مالاباطا، ترامي مؤسسة بنكية على أسوار قلعة غيلان، تدمير منتزه فيلا فيستا.

واقع حال البيئة بطنجة
المجال الغابوي
تقدر المساحة الغابوية بعمالة طنجة أصيلة ب 21 ألف هكتار، وتتغطى المساحة ب %62 من الغابات الطبيعية و %38 من الغابات المشجرة، أما عن الغابات داخل المدار الحضري فتضم 1200 هكتار في كاب سبارطيل و270 هكتار في الرهراه، و430 هكتار في فدان شابو، ومن مميزات المجال الغابوي بالعمالة ضمه لمواقع طبيعية ذات أهمية خاصة من بين 145 موقعا بالمغرب وتضم كلا من متنزه بييرديكاريس ومتنزه كاب سبارطيل ومحمية تهدارت.
رغم أن الموقع الجغرافي المتميز لمدينة طنجة يجعلها ذات امتداد ومحيط غابوي بامتياز إلا أن هذا المجال ما فتئ يتعرض للتدمير والحرق والاجتثاث بفعل تراكم العديد من العوامل أولها الحرائق، ومشكل قطع الأشجار من أجل التدفئة أو من أجل الاستعمال في الأفران والحمامات التقليدية، ويبقى الخطر الأساسي هو التوسع العمراني.

المجالات الخضراء
عرفت مدينة طنجة منذ سنة 2005 توسعا هاما للمساحات الخضراء وذلك بفضل برنامج التأهيل والتنمية الحضريين وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتقدر المساحة الإجمالية للمجالات الخضراء ب 178,5 هكتارا بما فيها مختلف المساحات والحدائق العمومية من دون احتساب أشجار تزيين الشوارع، غير أنه يلاحظ عدم توازن توزيع هذه المساحات الخضراء على المقاطعات حيث أن ما تتوفر عليه مقاطعة طنجة المدينة تعادل مرتين ما تتوفر عليه مقاطعتي بني مكادة والسواني معا من مساحات خضراء.
غير أنه وبسبب تصاعد وثيرة التعمير وتركز البنايات الإسمنتية بموازاة تراجع في الاحتياطات العقارية على مستوى المدينة فالمساحات الخضراء أصبحت لا تواكب هذا التطور حيث تبقى دون المقاييس التي توصي بها منظمة الصحة العالمية المحددة في 10 متر مربع لكل ساكن.

النفايات الصلبة
بالنظر إلى ارتفاع مستوى العيش فإن متوسط إنتاج كل فرد من النفايات المنزلية يوميا بطنجة يصل إلى 1,22 كلغ/اليوم، بينما المعدل الوطني في الوسط الحضري في 1.05 كلغ/اليوم و0.40 كلغ/اليوم في الوسط القروي.
وينبغي التنبيه إلى أن الأرقام المتعلقة بالنفايات المنزلية تعتمد فقط على الكميات التي تصل إلى المطارح العمومية، وبالتالي فإن الكميات الحقيقية أكثر مما هو مسجل رسميا، فالنفايات التي لا يتم جمعها أو التي تفتقد خلال وبعد جمعها تتجاوز 20 بالمائة بطنجة.

شأنه كباقي القطاعات يعاني قطاع النفايات الصلبة من مشاكل في المجال القروي تتجلى في انعدام وجود نظام الجمع والتخلص من النفايات المنزلية في الوسط القروي، وبالتالي فإن العملية كانت ولا تزال يقوم بها السكان أنفسهم بشكل فردي، أما في الوسط الحضري فيبقى توقيت عملية الجمع وتراكم الأزبال وعدم نظافة مواقع صناديق جمع الأزبال، وتزداد هذه المشاكل حدة في موسم الصيف حيث ترتفع الكميات المنتجة من الأزبال بسبب ارتفاع الاستهلاك وبسبب كثرة الوافدين على المدينة، وهناك مشكلة النفايات الطبية والصيدلية والنفايات الصناعية والحرفية التي لا تحترم عدد من الجهات التي تنتجها القوانين الجاري بها العمل.
وفيما يخص المطرح العمومي فهو يوجد في وضعية كارثية، فبالرغم من توفره على بعض التجهيزات والمرافق إلا أنه يصنف كمطرح عشوائي، ويتسبب في عدة مشاكل للمدينة، أبرزها انبعاث الروائح الكريهة والأدخنة إلي تتسبب في انتشار مجموعة من الأمراض في مقدمتها الربو والحساسية ومرض العيون، تكرار ظاهرة انجراف كتل الأزبال مما يهدد سلامة العاملين بالمطرح والسكان المجاورين.

يوم دراسي حول موقع البيئة والمآثر التاريخية ببرنامج طنجة الكبرى
في إطار أنشطة “مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة” ومواكبة لمشروع “طنجة الكبرى” الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نظم المرصد بدعم من “الجماعة الحضرية لطنجة” يوما دراسيا حول: ” موقع البيئة والمآثر التاريخية في برنامج طنجة الكبرى” بهدف تشخيص وتحليل وضعية البيئة والمآثر التاريخية في الوقت الحالي واستشراف المتطلبات والحاجيات المستقبلية على ضوء برنامج طنجة الكبرى. وقد تميز اللقاء بمشاركة برلمانيين ورؤساء مجالس وهيئات منتخبة ومستشارين جماعيين وممثلي المصالح الخارجية وهيئات ومنظمات المجتمع المدني المعنية والمهتمة بملف البيئة والمآثر التاريخية.

وقد عرف اللقاء إلقاء عروض ومداخلات قدمها مسؤولو المصالح الإدارية المشرفة على قطاعات كل من البيئة، والمياه والغابات وكذا الثقافة حيث تم تسليط الضوء على المجهودات التي تقوم بها هذه القطاعات وكذا الإكراهات التي تواجه عملها اليومي سواءا قانونيا وتنظيميا أو ميدانيا. كما كانت الجلسة الأولى مناسبة لمداخلات ممثلي الساكنة المنتخبين الذي أعربوا عن التزامهم العميق بقضايا البيئة والمآثر، معبرين في الآن ذاته على ضرورة استثمار “برنامج طنجة الكبرى” لما فيه من امكانيات تخدم هذين المجالين وبقية الملفات التي تهم المواطنين.
أما الجلسة الثانية فقد كانت مناسبة لجمعيات المجتمع المدني لتقديم أرائها وبسط مطالبها من “برنامج طنجة الكبرى” مطالبين بضرورة تفادي أخطاء تدبير البرامج السابقة مع ضرورة الالتزام بمقتضيات الحكامة الجيدة وعلى رأسها: التدبير الإستراتيجي، والفعالية والشفافية والمحاسبة ومشاركة المواطنين.
بعد هذه العروض والمداخلات توزع المشاركون على أربع أوراش هي المآثر التاريخية ومعالم المدينة، الغابات والمناطق الخضراء، النظافة ومحاربة التلوث، الساحل والشاطئ والبحر، حيث انكب المتدخلون الذي فاق عددهم 200 مشارك في مجموع الورشات من تناول كل محور بالدرس والتحليل خالصين الى رزنامة من التوصيات الأساسية وأوراق عمل تخص كل محور من المحاور الأربعة.
إثر ذلك عرفت الجلسة الختامية تلاوة مختلف هذه التوصيات والتي بلغت 117 توصية وإجراء شملت مجالات الحكامة، الآثار الإسلامية، آثار الفترة الاستعمارية، الآثار القديمة، المتاحف، التربية والمدرسة والجامعة، الإعلام والتواصل والتحسيس، المجال الغابوي، المناطق الخضراء، المناطق القروية، دور المجتمع المدني، المجلس الجماعي، تصريف المياه العادمة، والتي أجمعت على اعتبار “برنامج طنجة الكبرى” فرصة للمدينة لتصحيح اختلالات الماضي وبناء مستقبل أفضل معتبرة البرنامج الذي اشرف علية جلالة الملك هو برنامج جميع المتدخلين كل من موقعه وأن مسؤولية إنجاحه رهينة بتعاونهم وتكاثف جهودهم، خالصين إلى ضرورة تبوء البيئة والمآثر التاريخية المكانة التي تستحقانها في هذا البرنامج. كما تم الاتفاق على إصدار مذكرة خاصة بهذا اليوم الدراسي ترسل لمختلف المعنيين.

وقد اختتم اليوم الدراسي بتوقيع اتفاقية الشراكة والتعاون بين “مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة” و”المجلس الجماعي لطنجة” تحت أنظار الحاضرين الذين أشادوا بالاتفاقية واعتبروها فرصة أخرى لتضافر جهود الجميع لتجاوز أخطاء الماضي ومن أجل طنجة المستقبل.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...