بعد33 عاما على انطلاقها روح المسيرة الخضراء تنير الطريق نحو ترسيخ الوحدة الترابية
بعد مرور33 سنة على انطلاق المسيرة الخضراء التي صنعت صورا غير مسبوقة للتلاحم الوطني بين مختلف قوى البلاد.
بعد مرور33 سنة على انطلاق المسيرة الخضراء التي صنعت صورا غير مسبوقة للتلاحم الوطني بين مختلف قوى البلاد.
مازالت روح هذه الملحمة وشرارتها تنير درب المغرب في اتجاه صيانة وحدته الترابية , وتشعل الحماس في أجواء التعبئة الوطنية الشاملة المتواصلة من أجل تثبيت سيادة راسخة في التاريخ وتأكيد حق تنطق به الأرض والساكنة .
ويستعيد المغاربة ذاكرة المسيرة التي وصلوا بها رحمهم مع جزء من بلادهم في ظل تطورات جديدة لملف الصحراء على الصعيد الدولي, عنوانها تزايد التأييد الدولي لمشروع الحكم الذاتي, الذي اقترحه المغرب كشكل ديمقراطي راقي وحضاري, لإخراج قضية الصحراء من النفق الذي دخلت فيه لمدة تزيد عن ثلاثة عقود .
ولعل ما يشهد على هذا المنحى الإيجابي لقضية الصحراء, تصريحات المبعوث الشخصي السابق للأمين العام الأممي في الصحراء السيد فان بيتر فالسوم, الذي أكد أن خيار الانفصال ” خيار غير واقعي وهدف غير قابل للتحقق “.
كما أن الجولات الأربع التي احتضنتها مانهاست شكلت محطات هامة في هذه التطورات, إذ اعتبرها المراقبون فاتحة آمال حقيقية لكل الذين يتطلعون إلى إنهاء هذا النزاع المفتعل ووضع حد لمعاناة السكان المحتجزين بمخيمات تندوف وفتح آفاق واعدة لتحقيق التنمية والرخاء بالمنطقة على جميع الأصعدة.
ان المسيرة الخضراء أظهرت للعالم بالحجة والبرهان مدى التلاحم الذي جسدته عبقرية ملك مجاهد وشهامة شعب أبي وتصميم كافة المغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب على استكمال استقلالهم وتحقيق وحدتهم الترابية, إلى أن عاد الحق إلى أصحابه وتحقق لقاء أبناء الوطن الواحد.
ففي16 أكتوبر1975 , أعلن المغفور له الحسن الثاني عن تنظيم هذه المسيرة الشعبية التي مكنت الشعب المغربي من استرجاع أقاليمه الجنوبية , وذلك بعد تأكيد محكمة العدل الدولية بلاهاي في رأيها الاستشاري أن الصحراء لم تكن يوما “””” أرضا خلاء “”””, وأنه كانت هناك روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب وبين الصحراء, وهو ما شكل اعترافا بشرعية مطالب المغرب لاسترجاع أراضيه المغتصبة.
وفي السادس من نونبر عام1975 , انطلقت جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي, ومن سائر ربوع الوطن, حيث سار350 ألف مغربي ومغربية, بنظام وانتظام صوب الأقاليم الجنوبية للمملكة لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني مسلحين بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه, أظهر للعالم أجمع صلابة المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب وإنهاء الوجود الاستعماري على جزء غال من الوطن.
وكان النصر للإرادة الوطنية , وارتفعت راية الوطن خفاقة في سماء العيون في28 فبراير1976 مؤذنة بنهاية الوجود الاستعماري في الصحراء المغربية, لتتواصل بعد ذلك ملحمة صيانة الوحدة الترابية بكل إصرار لإحباط مناورات خصوم وأعداء الوحدة.
ولم يركن المغرب إلى الاستعادة المادية لجزء من أرضه, بل استمرت ملحمة صيانة الوحدة الترابية بجهاد أكبر تمثل في المسيرة التنموية المتواصلة بالأقاليم الجنوبية , في شكل منجزات تتعاقب حلقاتها في إطار عمل إرادوي جدي يروم النهوض بالمناطق المسترجعة وإدماجها في النسيج السوسيو اقتصادي الوطني..
وبما أن مداخل التنمية وبواباتها تكمن في التجهيزات الأساسية من طرق وبنيات تحتية مختلفة, فإن المرء لا يحتاج إلى كثير من العناء, وهو يتجول بمختلف مدن ومراكز الأقاليم الجنوبية, لملامسة مدى عمق التحول الإنمائي الذي عرفته هذه الأقاليم, بدءا من آلاف الكيلومترات من الطرق التي أنجزت وأمنت الربط بين كل فضاءات هذه الأقاليم , مرورا بتوفير وسائل المواصلات البرية والجوية بأنواعها العمومية والخاصة, وصولا إلى الربط بالشبكة الوطنية للكهرباء وشبكات الهاتف الثابت والمحمول والإنترنت ومختلف وسائل ووسائط الاتصال.
إنها إرادة التنمية, تتجلى بجميع أبعادها, في بوابة مشرعة على مستقبل, تعبّد فيه الأقاليم الجنوبية طريقها كي تشكل قطبا فاعلا وأساسيا ضمن محيطها الجهوي, بعد أن عانت سنوات طوال , قبل عهد الوحدة, من مظاهر التهميش.
وانطلقت هذه المسيرة التنموية ببرامج استعجالية لتدارك الخصاص الحاصل في البنيات التجهيزية, واتخذت وتيرة متسارعة , خصوصا بعد إنشاء وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية .
وهكذا أضحت الأقاليم الجنوبية بفضل هذه الإرادة القوية في البناء تعيش على إيقاع حركية تنموية متواصلة تتسم بتعدد الأوراش للنهوض بمستويات وشروط التنمية بالمنطقة, لضمان انخراطها الفاعل ضمن محيطها السوسيواقتصادي جهويا ووطنيا.
وقد كان للإنجازات الهامة التي تحققت ضمن إرادة راسخة في البناء أثرها في إحداث نقلة نوعية في مسار التنمية بهذه الأقاليم التي أعطتها زيارات صاحب الجلالة الملك محمد السادس والمشاريع التي دشنها وأعطى انطلاقتها دينامية جديدة.
وتشكل أوراش الإسكان والتعمير أحد المحاور الأساسية في برامج التنمية بالأقاليم الجنوبية وهي أوراش ساهمت في تحقيق تنمية عمرانية متوازية ومستدامة, كما يتضح ذلك من خلال برامج الوحدة والعودة والوفاق ” ألف سكن” والعديد من التجزئات السكنية وبرامج محاربة السكن غير اللائق وإعادة هيكلة مجموعة من الأحياء ناقصة التجهيز وإعادة تأهيل المجالات الحضرية الكبرى مع إعادة الهيكلة وتقوية البنى التحتية.
إن الأمر يتعلق بدينامية بعيدة المدى تروم تهيئ الأقاليم الجنوبية لولوج مرحلة الجهوية الموسعة التي جاء مخطط الحكم الذاتي منسجما مع فلسفتها القاضية بتمكين مختلف جهات المغرب من التعبير عن طاقاتها واستثمار مواردها البشرية والطبيعية خدمة للوطن والمواطنين .
بقلم .. عادل بلمعلم : الرباط (و م ع)