“ربات البيوت”: عمل جبار بحاجة للاعتراف

سناء الشهدي و.م.ع

هل أنت امرأة نشيطة أم لا؟”، “كيف تقضين سحابة يومك وأنت لا تعملين؟”… أسئلة لا تطاق، يتردد صداها كالطنين في أذني لطيفة، سيدة في الأربعينيات من العمر وأم لخمسة أطفال تتولى تدبير شؤون بيتها بالكامل.

يبدأ يوم لطيفة في وقت مبكر جدا من الصباح ويستمر إلى وقت متأخر من المساء. فبين إعداد وجبة الإفطار، ومواكبة تعليم أطفالها، والقيام بالأعمال المنزلية وتلبية مطالب زوجها، لا يكون يوم هذه المرأة هينا يسيرا.

و يظل كل ما تقوم به لطيفة “غير مرئي”، بل من الشائع القول إنها “امرأة غير عاملة” أو يقال بعبارة ملطفة إنها “ربة بيت”.

ومع ذلك، فإن القليلات من هؤلاء النساء “الشجاعات” يفتخرن بهذا الوضع، الذي يتعرض للأسف، للانتقاص من قيمته التي لا تقدر بثمن. لي طرح السؤال عن سبب ارتباط عمل ربة البيت في كثير من الأحيان بالخضوع أو التبعية للزوج، وليس بخيار طوعي.

ولئن كان تحرر المرأة وإثبات ذاتها بالنسبة للبعض يكمن في نجاحها المهني، فإن البعض الآخر يعتبر “مهنة الأم” عملا استراتيجيا في نواة الأسرة، ومن ثم يأتي اختيار العديد من النساء طوعا للبيت.

تقول لطيفة مبتسمة في حوار مع وكالة المغرب العربي للانباء، إن “كون المرأة ربة بيت مهمة نبيلة بقدر ما هي معقدة وبدوام كامل”.

وتحكي عن انتقالها دون ندم من حياة طلابية صاخبة إلى تحقيق ذاتها داخل دائرة أسرتها، بعد حصولها على شهادة جامعية وباتفاق مع زوجها، معربة عن أسفها لوجود تصور اجتماعي معين عن ربة البيت يربط هذا الاختيار بفشل في الحياة.

فمن خلال تقليص دور المرأة في القيام بأشغال المنزل والطبخ والإنجاب، يطور المجتمع المعاصر نظرة رافضة لهذا الاختيار.

ويجد ذلك تفسيره، بحسب الخبير في علم الاجتماع هشام بوكشوش، في الصورة الراسخة في المخيال الثقافي والاجتماعي المشبع بالنزعة الذكورية، والتي تعتبر العمل المنزلي “جزءا من مسؤوليات المرأة”.

ومع ذلك، يبقى الاعتراف بمكانة ربة البيت مسألة ثقافية مرتبطة بتطور المجتمع، بحسب بوكشوش في حوار مماثل بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة.

وفي هذا الصدد، أعرب عن الأسف لتهميش دور هؤلاء النساء اللائي يعملن في فضاء غير مرئي (ألا وهو البيت) مقارنة بغير ذلك من الأنشطة في القطاعات الإنتاجية التي تمارس في الفضاء العام.

ولمن يعتقد أن الاطار الأسري يمكن أن يشكل “عائقا” أمام تحقيق الذات، ترى وداد، أم لأربعة أطفال، من جهتها، أن هذا التفاني لا يؤدي بالضرورة إلى العزلة أو الملل.

وتوضح أنها بمجرد إنجاز مهمتها، اختارت العودة إلى المدرسة، لتحصل في نهاية المطاف على شهادة الماستر في القانون وتصبح واحدة من أوائل النساء اللائي يمارسن مهنة العدول في المغرب.

غير أنها تؤكد أن الضغط النفسي يسبب أحيانا الإحباط والتوتر لدى الزوجين، ومن ثم تأتي ضرورة تقاسم أعباء البيت لجعل حياة الأسرة تنساب بشكل أيسر.

ووفقا للمندوبية السامية للتخطيط، فإن العمل المنزلي تقوم به النساء إلى حد كبير، حيث إن 95 بالمائة من النساء المغربيات يقمن بذلك لمدة 5 ساعات في اليوم على الأقل، في حين يقضي 45 في المائة من الرجال أكثر من 45 دقيقة في هذا العمل.

وبصرف النظر عن الإحصائيات حول الزمن المخصص للقيام بأشغال المنزل، لا توجد حتى الآن أي دراسات وطنية حول مساهمة العمل المنزلي في الثروة الوطنية من حيث رأس المال المالي وغير المادي، وهو ما يأسف له خبير علم الاجتماع عبد الفتاح الزين.

ومن البديهي أن عمل هؤلاء النساء في الظل ينطوي على قيمة لا تقدر بثمن، وهو ما يستلزم بالتالي الاعتراف بقيمته الحقيقية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...