يا لها من حكاية!!

أستأذنكم اليوم في أن يكون مقالي عبارة عن حكاية… فأرهفوا السمع الله يرحم الوالدين…
أستأذنكم اليوم في أن يكون مقالي عبارة عن حكاية… فأرهفوا السمع الله يرحم الوالدين..

*** *** ***
نحن الآن في أوائل القرن العشرين.. 1904 تقريبا…
غالبا كان الجو صحوا والنسيم عليلا والقمر بدرا.. وفي شرفة منزلهما في اليونان ابتسم الثري اليوناني (غريغوري بيرديكاريس) في وجه زوجته التي يحبها بإخلاص حقيقي لا تشوبه شائبة وقال لها: سأبني لك أجمل قصر في أجمل مكان في العالم!
طبعا لم تقل لزوجها ” وا هو دابا”… أو مثلا ” الهضرة ماكاتشري خضرة” إلى غير ذلك من الكلمات التي “تتحف” بها بعض النساء لدينا أزواجهن. بل ابتسمت وقالت لزوجها ما معناه: إن غدا لناظره قريب.
وقد كان الرجل صادق الوعد حقا، وفعل ما قال.
*** *** ***
سيقول البعض: من طنجة إلى اليونان آ السي عبد الواحد؟ واتنقيزة هادي!
ويقول آخرون: لقد اختلطت الأمور على الرجل وبدأ يخرف.
لكنكم، لو صبرتم، ولم ترهقوني من أمري عسرا، لجئتكم من اليونان بنبأ سيطيب له فؤادكم وتعرفون أن العجب يبطل دائما كلما عـــُــرف السبب.
والرابط بين ما ذكرته في أول المقال وطنجة وثيق جدا.. فلا تنسوا أن الرجل قد وعد زوجته بأجمل مكان في العالم، وهل تتوقعون مكانا أفضل من منطقة الرميلات بطنجة، حيث يقبع الآن قصر بيرديكاريس يبكي حاله للقطط التي تجول حوله؟
نعم، لقد فكر بيرديكاريس ودبر، واستشار وتمعن، فلم يجد أفضل من هذا المكان ليحقق وعده لزوجته التي أمنت على قوله واختياره وسعدت به أيما سعادة.
هذا تأويل ما لم تستطيعوا عليه صبرا.
لكن..بعد هذا ستحدث مشكلة صغيرة، فما لم يكن يعلمه بيرديكاريس أن هناك ثعلبا بشريا يعيش في جبال طنجة المجاورة اسمه “مولاي أحمد الريسوني”، هذا الأخير علم بثراء الرجل الفاحش فقام بخطف زوجته وابنهما كرومويل طالبا فدية قيمتها 70 ألف قطعة ذهبية، كان في حاجة إليها لدعم ثورته آنذاك.
حاول بيرديكاريس جاهدا أن يستعيد زوجته دون دفع المبلغ فاستنجد بالقوة العظمى آنذاك : أمريكا، والتي كان قد اتستثمر فيها لسنوات. هذه الأخيرة لم تدخر جهدا فأرسل رئيسها آنذاك “ثيودور روزفلت” فرقاطة كاملة قبعت متربصة في شواطئ طنجة منذرة بهجوم وشيك من أجل استعادة الزوجة ودحر “روبن هود” الجبلي.. لكن دون جدوى.
في آخر المطاف كان ل “السي الريسوني” ما أراده وأخذ الفدية وأصبح أميرا حقيقا على منطقة “فحص طنجة” حاملا لقب ” سلطان الجبال”.
والذين شاهدوا فيلم “الريح والأسد” لبطله “شين كونري” الذي لعب دور الريسوني سيلاحظون أن زوجة بيرديكاريس أعجبت بخاطفها وبرجولته ومروءته كل الإعجاب، ولم تجد منه ما يعرف عن الخاطفين من سفالة وانحطاط في الأخلاق.. بل إن شهامته أسرتها.
وسواء كانت وقعت في حبه أم لا فإن الريسوني، العفيف، النقي السريرة، ما كان ليفكر في حبها أو الإعجاب بها ولسان حاله يقول مع عنتر بن شداد:
وأغض طرفي مابدت لي جارتي .. حتى يواري جارتي مأواها
** ** **

هذه إذن هي حكاية قصر بيرديكاريس بغابة الرميلات بطنجة والذي يوجد الآن في حالة مزرية للأسف، والذي – كما تابعتم معي من حكايته – يمكن أن يدر الملايين وربما الملايير على وزارة السياحة إن هي اعتنت به وروجت له.
فهناك حكاية آسرة، وهناك قصر رائع مبهر، وهناك فيلم أنتج عن القصر بطله ممثل معروف جدا، وماخفي كان أعظم وأجل..
طنجة غنية جدا بالآثار الرائعة التي يمكن أن تجلب مئات الالاف من السياح فعلا، وقصر بيرديكاريس ليس سوى واحد منها، لكن هناك إهمال متعمد لها لا يعلم سببه سوى الله.
أسافر إلى بيروت فأجد أن ضريح “رفيق الحريري” قد أصبح مزارا وقبلة للسياح، أسافر إلى بلجيكا فأجد أن واترلو – مكان آخر معركة لنابليون – يدر آلاف اليوروهات يوميا على المنطقة.. أسافر لمدينة “حماة” السورية فأجد أن نواعيرها التاريخية لازال يعمل بعضها وتثير زوارها..
أعود إلى طنجتي لأجد أن آثارها قد ذهبت مع الريح! وا أسفاه عليك يا طنجة!

شاهد مقطعا من فيلم “الريح والأسد” :

شاهد فيلم الرعب القصير الذي صور بقصر بيرديكاريس:

عبد الواحد استيتو
stitou1977@yahoo.com

Facebook | Abdelouahid Stitou

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...