أعترف أنني لم أعش منذ مدة هذه المشاعر التي سحبتني إليها رواية “على بعد ملمتر واحد فقط” (أو زهرليزا)، للكاتب المغربي عبد الواحد استيتو، الفائزة بجائزة الإبداع العربي 2018 (كأول رواية فيسبوكية عربية)، بحيث شعرت أنني “أشاهد” الرواية لا أقرأها.
يبدو نص رواية “زهرليزا” محبوكاً جدا بطريقة سهلة ممتنعة، بحيث ينتهي كل فصل من فصول الرواية بطريقة حابسة للأنفاس تجعل انتقالك للفصل الذي يليه آنيا لا يحتمل الانتظار.
وطيلة مدة قراءتي للرواية – والتي كانت عبارة عن ساعتين متواليتين دون انقطاع – كنت أشعر أنني داخل فيلم متكامل بشخصياته وحبكته وحواراته وأحداثه الشيقة جدا.. وكنت أتساءل أيضا: هل تحولت هذه الرواية إلى فيلم أم ليس بعد؟
وكنت أجيب نفسي: إما أنها تحولت وأنا لا أعلم لتقصير مني في المتابعة، وإما أن ذلك لم يحدث وهذا يعني أن كل صناع الدراما والسينما في المغرب لا يطلعون على ما يوجد في السوق من روايات، كي لا أقول أن معظمهم لا يقرأون كتبا أصلا !
كم يبدو الأمر مرعبا: أن تزخر الساحة الروائية في المغرب بروايات كهذه، بتتويج عربي، وبحبكة منقطعة النظير، ثم نشاهد في رمضان أعمالا على غرار “قيسارية أوفلا” !
لأنه، حتى بمنطق الربح، فإن رواية بأحداث كالتي توجد في “زهرليزا” هي عمل مربح ولا شك وممتع، وقد يكون له آفاق دولية إن تم إتقانه إخراجاً وتمثيلاً.
تسألون عن أحداث الرواية؟ سأحاول أن أجيب باختصار مخل فأقول إنها تحكي عن قصة شاب من مدينة طنجة تتغير حياته بسبب تردد بسيط على موقع فيسبوك، حيث كان سيمسح إحدى متابعاته بسبب تعليق سمج منها، لكنه تردّد لثانية واحدة، وعلى بعد ملمتر واحد فقط، ليتراجع أصبعه عن ذلك، ولتنقلب حياته بعد ذلك رأسا على عقب.
تحكي الرواية أيضا قصة لوحة “زهرليزا” (الموناليزا المغربية)، التي توجد فعلا في المتحف الأمريكي بطنجة، والتي تتعرض للسرقة، قبل أن يتورط بطل الرواية “خالد” في الأمر أيضا وسط أحداث متشابكة متشعبة وممتعة إلى أقصى حد.
تحاول الرواية أن تنقل لنا فكرة “نظرية الفراشة” وإمكانية تغير حياة الواحد منا بسبب تفاصيل دقيقة جدا، كما تحيي في القارئ حب الدفاع عن تاريخ وإرث الوطن، حتى وإن كان ذلك من شاب عاطل تأخذه الحمية كي يعيد لوحة فنية إلى مكانها الأصلي.
أخيرا، أرجو أن تتسع صدور صناع الأفلام والمسلسلات بالمغرب – وعيونهم أيضا – كي يطلعوا من حين لآخر على ما تجود به الساحة المغربية من إبداع، فأكيد أن تحويلها إلى أفلام سينقلهم من صفة “الحموضة” التي لازمتهم، إلى صفة “الإبداع” والتي كان يفترض أن يحملوها.