ماتآديشي طنجة
فكرت أكثر من مرة أن أكتب عن مسيرة 20 فبراير قبل أن تنظم، لكنني كنت متأكدا أن صوتي سيضيع وسط الصخب الشديد الذي كان يملأ الأجواء. وما كنت لأضيف أي شيء لما كتب فعلا.
فكرت أكثر من مرة أن أكتب عن مسيرة 20 فبراير قبل أن تنظم، لكنني كنت متأكدا أن صوتي سيضيع وسط الصخب الشديد الذي كان يملأ الأجواء. وما كنت لأضيف أي شيء لما كتب فعلا.
الآن، أعتقد أننا نستطيع أن نتحدث ونستمع إلى بعضنا البعض بشكل جيد دون لغط أو سوء فهم أو اتهامات جاهزة مسبقة، بعد أن هدأت الأمور ومرت العاصفة على خير.. مع أضرار لا بأس بها في الحقيقة.
تقول الطرفة أن صديقين كانا يتجولان في إحدى الغابات الإفريقية، وفجأة وجدا نفسيهما وجها لوجه أمام أسد يتلمظ وأمامه بقايا فريسة. انزعج الأول بشدة وهم بالفرار، لكن الثاني قال لصديقه: لا تخش شيئا، لقد قرأت أن الأسد لا يهاجم الإنسان عندما يكون شبعانا.
فأجابه الثاني وهو يهرول: لقد قرأت هذا أنا أيضا، لكن المشكلة هي ” هل قرأ الأسد هذه المعلومة؟”؟
لهذا، عندما يقول منظمو مسيرة 20 فبراير، على الفيسبوك وصفحات الجرائد والمواقع الإخبارية والمنتديات، أن المسيرة ستكون سلمية، فلا بد أن يعلموا أن من سيقومون بالفوضى ويخربون لا يطلعون أبدا على كل تلك المنابر و لايتصفحون ولا يقرأون.
بينما، من جانب آخر، لازال اللاوعي لديهم، للأسف، يحتفظ بمشاهد الصدامات والصراعات من القنوات الإخبارية والتي لا يخلو أي مقهى شعبي منها حاليا.
لقد عشت، ولازلت، في حي شعبي وأفهم، ولا أعذر، سيكولوجية المخربين. فكل ما نراه تظاهرا سليما واحتجاجا ومسيرات، يراها هم فرصة غير مسبوقة ل “الحايحا”، وتحقيق “منجزات بطولية” متمثلة في إلحاق أكبر قدر من الضرر. ولعل خبراء الكريمينولوجي يستطيعون إفادتنا أكثر بهذا الخصوص.
ولعل هذا ما جعل مئات الآلاف من الدعوات توجه، عبر نفس المنابر، من معارضين للمسيرة، يقسمون فيها على المنظمين أن يتراجعوا، ليس لأنهم “خونة”، لكن على الأقل في هذا الوقت حيث لا يمكن أن نعرف إلى أين يمكن أن تؤدي الشحنة النفسية الموجودة لدى المتظاهرين من سيل الصور المعروضة على القنوات.
في نظري، مجرد احتمال 1% أن تشكل مسيرة ما أو تظاهرة أي خطر على أي مواطن أو ملك عمومي أو خاص، هو سبب كاف لأن تلغى.. خصوصا خصوصا في هذا التوقيت الحساس جدا.
لاحظوا معي أنه كانت هناك دعوة لمسيرة أخرى قبل هذه أسماها منظموها مسيرة الحب، أرادوا بها أن يؤكدوا حبهم وتشبثهم بالملكية. لكن منظموها تراجعوا في آخر لحظة لما أسموه ” خطورة استغلال المسيرة من طرف مغرضين من أجل القيام بأعمال تخريب وشغب”. نشكرهم على هذا الوعي.. هذا هو الحب الحقيقي، فالمسألة ليست مجرد رغبة في الظهور على حساب أمن وطن بكامله.
بالنسبة للأمن، فقد كان أمامه خياران: إما ألا يتدخل ويحني رأسه للعاصفة حتى تمضي ( والعاصفة هي يوم 20 فبراير بالضبط وما يحمله من حساسية). وقد قام بهذا فعلا، والآن جاء وقت الحساب وقد تم القبض على عدد كبير من المخربين ومثيري الشغب. ثم إن الأحداث بفضل الله لم تتكرر لأن الفرصة ذهبت إلى غير رجعة.
الخبار الثاني، هو أن يتدخل ويتحول “التخريب” إلى “صدامات”، وياله من فرق شاسع بين الكلمتين.. بل وبين الخسائر نفسها التي كانت ستحدث، سواء كانت مادية أو معنوية.
الغريب أن البعض يلوم الأمن لأنه لم يتدخل، ثم ستجدون – مثلا – فيديو على يوتوب يصف تدخلا محدودا لسيارة الأمن في وجه أحد المتظاهرين ب”البلطجة”( لاحظوا هذا التماهي المنفر حتى في استعمال مصطلحات الثورة المصرية).
إذن أيا كان ما سيفعله الأمن فهو إما بلطجي أو متواطئ؟ ساء ما يحكمون.
الخلاصة أن طنجة أخذت حقها من فوضى 20 فبراير، وكم حز ذلك في قلوب كل طنجاوي قح يطمح أن تصبح طنجة شيئا يذكر، فإذا هو التهديد بأن تصبح أطلالا. لقد أثرت الأحداث علينا جميعا نفسيا فعلا، وأعرف أشخاصا عديدن، من بينهم طنجاويو المهجر، أغلقوا الغرف على أنفسهم وأعلنوها أمسية حداد. خصوصا أن ما حدث كان متوقعا بشكل كبير، وجل ردود الفعل كانت تكاد تردد بصوت واحد ” ها اللي قولنالكوم”.
انضاف إلى كل هذا أن مدنا أخرى تعرضت لما هو أفظع، فكانت المصيبة مصيبتين، وشعرنا أن الوطن ينزف من أكثر من موضع. والله وحده يعلم كم الحب الذي نحمله في قلوبنا لهذا الوطن، ولا نريده سوى أن يكون بخير وأن يضرب الناس الأمثال بنا، لا أن نصبح مثالا سيئا.
ولا أردى داعيا لأقول أن كل ما طالبت به المسيرة من إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية هو مشروع، وكل المغاربة يطالبون به منذ الاستقلال ولا داعي لأن يزايد أي شخص على آخر.. لكن ما يحز في القلب هو ألا نختار سوى هذا الوقت لنقول ما سبق أن قلناه فعلا، ويمكن أن نقوله في أي وقت دون حرج. ومن يرى أن الحربة غير موجودة، فليذهب وليقتن أول جريدة مغربية مستقلة يجدها في طريقه وليقرأ ما سيثلج صدره.
أم أنها مسألة عناد فقط؟
عبد الواحد استيتو
stitou1977@yahoo.com
Facebook | Abdelouahid Stitou