بمجرد ما إن عاد النظام الصحي بإيطاليا لتنفس الصعداء، وجدت الأطقم الطبية نفسها من جديد أمام تدفق هائل للمصابين بفيروس كوفيد-19 ، ما دفع مسؤولين محليين وخبراء إلى المطالبة بإعادة فرض حجر صحي جديد في البلاد لكبح جماح تفشي الوباء وتجنب تكرار الصدمة التي خلفتها الجائحة في الربيع الماضي.
وأطلق أقوى التحذيرات رئيس الهيئة الوطنية للأطباء بإيطاليا فيليبو أنيلي ، الذي قال أمس الأحد من إن الوضع الوبائي سيكون في غضون شهر واحد “مأساويا”، ما يستدعي إعادة وبشكل فوري فرض حجر صحي عام في البلاد، لأن النظام الصحي يوشك على الانهيار بسبب اكتظاظ المستشفيات بمرضى كوفيد، مضيفا أن هذه الأزمة الصحية الخانقة قد تؤدي إلى وفاة 10 ألاف شخص في ظرف 30 يوما.
وقال أنيلي، في بيان نشره على صفحته الرسمية عبر موقع (فيسبوك)، إن المستشفيات امتلأت بالكامل، بما في ذلك وحدات العناية المركزة، مشددا على ضرورة فرض حجر صحي العام في ظل خطورة البيانات الصحية الأخيرة التي تظهر تصاعد متسارع في تفشي عدوى كورونا. وأضاف “إمّا أن نوقف نحن الفيروس أو سيوقفنا هو”.
وبحسب وسائل إعلام إيطالية أصبحت الكثير من المستشفيات اليوم “غير قادرة على إجراء تدخلات طبية لمرضى السرطان والقلب على الخصوص، لأنها غارقة “بعدد كبير من المصابين بكوفيد-19 ، لدرجة أنها لم تعد تتوفر على أَسِرة كافية لتقديم علاجات أو إجراء فحوصات لمصابين بأمراض مزمنة أخرى.
وكتبت صحيفة “كورييري ديلا سيرا” أنه في جنوب البلاد، يزداد الوضع الوبائي سوءا، وهو مادفع عمدة مدينة باليرمو لوكا أورلاندو إلى توجيه رسالة إلى رئيس الوزراء جوزيبي كونتي يؤكد فيها أن “صقلية على حافة الهاوية ، إذ يوجد نقص في أجهزة التنفس الاصطناعي في أقسام العناية المركزة ، واضطرت الأطقم الطبية من جديد إلى اختيار المرضى الذين يمكن إنقاذهم بعد أن أضحى الوضع الصحي شبيه ب”طب الحروب”، مضيفة أن نفس القدر من قلق ينتاب عمدة نابولي ، لويجي دي ماجيستريس وكذلك عمدة كامبانيا الذي أعلن تصنيف الإقليم ك”منطقة حمراء” .
وسجلت اليومية في عددها الصادر اليوم الاثنين أن “مرضى السرطان أصبحوا مهددين بالموت” بسبب عدم قدرة المستشفيات المكتظة بمرضى فيروس كورونا على توفير علاجات طبية لهم، في الوقت الذي يواصل فيه أطباء ومسؤولون في القطاع الصحي جهودهم للحيلولة دون انهيار نظام الرعاية الصحية .
وأمام سيناريوهات أكثر تشاؤما، قال وزير الصحة الإيطالي روبيرتو سبيرنسا إنه مستعد لتوقيع مرسوم جديد يقضي بفرض قيود أخرى أكثر صرامة لتطويق الفيروس وإغلاق المزيد من المناطق التي يرتفع فيها مستوى خطر العدوى. فيما اختارت السلطات المحلية في بعض المناطق منها إقليم بولزانو فرض حجر صحي على ساكنتها بعد أن سجلت أمس الأحد 781 حالة إصابة بالعدوى.
وبالفعل، سجلت إيطاليا منذ منذ عدة أسابيع زيادة مقلقة في عدد حالات الإصابة بفيروس كوفيد- 19 ، خاصة في صفوف الشباب، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والقيود الجديدة لمواجهة تفشي الوباء الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 40 ألف شخص في البلاد في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من فقدان السيطرة على الجائحة .
و توقع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، في تصريح صحافي، أن يفوق عدد المرضى الطاقة الاستيعابية لأقسام العناية المركزة في حوالي 20 منطقة أخرى خلال الأشهر المقبل، إذا لم تتخذ تدابير صارمة لكبح الموجة الثانية من العدوى.
ورغم تدهور الوضع الوبائي ارتفاع عدد المرضى الموجودين في أقسام العناية المركزة، رفض رئيس الوزراء الإيطالي إعادة فرض حجر صحي شامل”، معتبرا أن” كلفته الاقتصادية والاجتماعية ستكون باهضة”، وفضل في المقابل اعتماد تدابير وإجراءات احترازية على الصعيد المحلي حسب وضعية كل جهة.
وتمثلت التدابير الجديدة التي اتخذتها الحكومة على الخصوص، في تقسيم أقاليم البلاد إلى ثلاث مناطق صنفتها الحكومة حمراء وبرتقالية وصفراء بموجب مرسوم جديد يفرض قيودا متفاوتة بناء على خطورة الوضع الوبائي في كل منطقة من هذه المناطق .
وفي هذا السياق ، قال رئيس الوزراء الإيطالي، خلال مؤتمر صحفي، إن الحكومة قررت تقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق، الأولى حمراء وهي عالية خطورة وتضم لومبارديا وبيمونتي وكالابريا ثم فالي دوستا و الثانية برتقالية وهي متوسطة الخطورة وتهم بوليا وصقلية، أما الثالثة فصنفت صفراء وهي معتدلة الخطورة و شملت 14 إقليما. ودخل هذا التقسيم حيز التنفيذ يوم الجمعة الماضي وسيستمر إلى غاية الثالث من دجنبر المقبل.
وقال رئيس الوزراء الإيطالي إن الحكومة قامت بتشديد القيود للحد من انتشار فيروس كورونا، لكنها سعت في الوقت ذاته إلى” عدم إعادة فرض حجر صحي عام”، وذلك عقب سلسلة من الاجتماعات بين أعضاء الحكومة ورؤساء المناطق وتوترات في الأوساط السياسية والاقتصادية.
و لوقف زحف عدوى فيروس كورونا وإنقاذ الاقتصاد من غرق تام، توصل الحكومة دراسة اتخاذ المزيد من التدابير الصارمة رغم الاحتجاجات عنيفة التي شهدتها أنحاء مختلفة بإيطاليا وخلفت إصابات في صفوف قوات الأمن واعتقال محتجين ، بينما تظل الآفاق القصيرة المدى والمتوسطة غير مؤكدة في مواجهة الموجة الثانية التي قد تعصف بجهود إيطاليا وتجعل تضحياتها تذهب سدى.