بعد تعليق شعائر العمرة لهذا العام درءا لمخاطر انتشار فيروس “كوفيد -19″، قررت المملكة العربية السعودية تنظيم موسم الحج 2020 بعدد محدود من الحجاج من مختلف الجنسيات من المقيمين فيها، وذلك لأول مرة في التاريخ المعاصر؛ وهو قرار لم يكن بالأمر الهين بالنسبة ل34 ألف حاج مغربي ممن عقدوا النية وقطعوا أشواطا هامة لشد الرحال إلى البقاع المقدسة من قرعة وتسجيل وأداء للواجبات، غير أن ما يهون الأمر على من تأجل حجه هو الإيمان بأولوية حفظ النفس وعدم الإلقاء بها في التهلكة.
ولأن موسم حج هذا العام استثنائي بكل المقاييس، أعلنت السلطات المختصة عن قواعد صحية لمنع انتشار الفيروس في صفوف الحجيج، وحظرت التجمعات والاجتماعات، وفرضت مسافة تباعد اجتماعي لا تقل عن 1,5 متر بين كل شخص وآخر أثناء أداء المناسك، بما في ذلك صلاة الجماعة ومنطقة الطواف حول الكعبة التي منعت على الحجاج لمسها.
وبالنسبة للحجاج المغاربة، فبعدما تم اتخاذ الإجراءات التنظيمية الاعتيادية لتنظيم موسم الحج، من دورات تكوينية لفائدة المؤطرين ومرافقي الحجاج، ووضع برنامج لتنظيم دورات تدريبية للحجاج على الصعيد المحلي اعتبارا من شهر مارس 2020، تقرر منعا لتفشي الوباء تجميد كل هذه الإجراءات وإرجاع مصاريف الحج، مع الاحتفاظ بنتائج قرعة هذه السنة لموسم الحج المقبل.
وحسب أرقام لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية خاصة بموسم حج 1441هــ، فقد كانت حصة حجاج المملكة المغربية محددة في ما مجموعه 34 ألف حاج، 22 ألف و500 منها مخصصة للتنظيم الرسمي، و11 ألف و500 لوكالات الأسفار السياحية، التي تم الترخيص ل 206 منها بتنظيم عملية الحج.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس قسم الحج بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، السيد خالد بوطيب، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الوزارة اتخذت جميع الترتيبات المناسبة للتحضير لموسم حج 1441هــ، حيث عقدت اجتماعات بشكل مبكر مع مختلف الجهات السعودية المتدخلة في تنظيم الحج.
غير أنه مع فرض المغرب حالة الطوارىء الصحية وما صاحبها من إجراءات احترازية ووقائية، أفاد المسؤول بأن الوزارة أرجأت تنزيل برنامج الدورات التدريبية للحجاج وكل اللقاءات التواصلية والتأطيرية، وأوقفت عملية استخلاص مصاريف الحج بالنسبة للتنظيمين، الرسمي والوكالات، مع عدم برمجة الفترة الثانية لعملية الأداء، والتي تخصص لتعويض المنسحبين من عملية الأداء الأولى وفق لوائح الانتظار.
وأضاف أنه تم اتخاذ قرار التريث في أي التزامات مع الجهات السعودية تتعلق بحج 1441هــ بناء على ما جاء في مراسلة توصلت بها الوزارة في شهر مارس 2020 من وزارة الحج والعمرة السعودية.
وأبرز السيد بوطيب أنه تم التواصل بشكل مستمر مع وزارة الحج والعمرة وتتبع كل القرارات التي لها علاقة بتنظيم الحج، إلى حين اتخاذ السلطات السعودية القرار القاضي بتنظيم حج هذا العام بشكل آمن صحيا، وبأعداد محدودة جدا من مواطنين سعوديين ومقيمين بالسعودية من مختلف الجنسيات بسبب انتشار جائحة “كوفيد-19”.
وأوضح أنه مراعاة لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية، تقرر خلال اجتماع استثنائي لأعضاء اللجنة الملكية للحج، إرجاع مصاريف الحج التي سبق إيداعها بوكالات البريد بنك، سواء من طرف المنتقين في لائحة التنظيم الرسمي أو لائحة وكالات الأسفار السياحية، وتم تحديد الفترة الممتدة ما بين فاتح يوليوز إلى غاية 24 منه لهذه العملية، مع توجيه المواطنين المعنيين بهذا الأمر إلى الاحترام الكامل للضوابط والشروط المعمول بها في إطار حالة الطوارئ الصحية.
كما تقرر، يضيف السيد بوطيب، الاحتفاظ بنتائج عملية القرعة (لوائح المنتقين ولوائح الانتظار بالنسبة للتنظيمين الرسمي ووكالات الأسفار السياحية) الخاصة بموسم حج 1441هـ لاعتمادها برسم موسم 1442هــ، على أن تجتمع اللجنة الملكية للحج أواخر العام، وبعد أن تحدد مصاريف الحج المقبل سيكون دفع هذه المصاريف، في الأجل الذي سيعلن عنه، تأكيدا لاستمرار الرغبة في أداء هذه الشعيرة. وبعد انتهاء أجل الأداء، سيشرع في تعويض المتخلفين وفق لوائح الانتظار.
وأضاف المسؤول في الوزارة أن كل هذه الإجراءات جعلت معظم المقبلين على أداء مناسك الحج يتهيئون نفسيا لتقبل أي قرار قد لا يسمح لهم بأداء هذه الشعيرة، خصوصا مع وقف السلطات السعودية إصدار تأشيرات العمرة بما في ذلك عمرة شهر رمضان.
وأشار بهذا الخصوص إلى أنه منذ إعلان المغرب عن حالة الطوارئ الصحية، توصل قسم الحج بالوزارة، وبشكل يومي، بعدة مكالمات هاتفية من المواطنين المقبلين على أداء مناسك الحج يعبرون فيها عن تخوفهم واعتذارهم عن أداء المناسك في ظل هذه الجائحة، ملتمسين الاحتفاظ بهم ضمن لائحة المنتقين لأداء المناسك خلال الموسم المقبل، خاصة أن أكثر من 60 في المئة منهم يفوق سنهم 60 سنة، ومنهم من يفوق سنه 80 سنة (حوالي 15 في المائة من الحصة الإجمالية)، بالإضافة إلى معاناة عدد منهم من أمراض مزمنة.
من جانبه، أكد السيد أحمد بنعلي، مدير وكالة خاصة لتنظيم الأسفار، في حديث مماثل، أن تعليق عملية تنظيم الحج والعمرة سيكبد وكالات الأسفار وشركات النقل وغيرها من المتدخلين في هذه العملية آثارا سلبية لا محالة .
وأوضح أنه بعدما تم الاستعداد مبكرا كما جرت العادة كل سنة لموسم الحج 2020، بحيث تم قطع مراحل مهمة، خاصة ما يتعلق بالقرعة والتسجيل وأداء الواجبات في مؤسسات بريد بنك المغرب، دفعت جائحة كورونا الدول إلى اتخاذ إجراءات احترازية تفاديا لتفشيها، ولم يستثن من ذلك موسم الحج ومناسك العمرة.
ونوه السيد بنعلي في هذا الصدد، بالقرارات التي اتخذتها اللجنة الملكية المكلفة بالحج لتدبير تداعيات أزمة “كورونا”، ولاسيما إرجاع المبالغ المؤداة إلى الحجاج مع الحفاظ على حقوق من يرغبون في أداء مناسك الحج السنة المقبلة دون الخضوع لعملية القرعة من جديد.
من جهتهم، عبر عدد من المواطنين الذين تعذر عليهم أداء مناسك الحج هذه السنة، في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن تباين أحاسيسهم ما بين الشعور بالأسى والرضا بقضاء الله وقدره، ولو أن هذا الإحساس الأخير هو الغالب الأعم.
ومن بين هؤلاء السيدة حبيبة التي لم تسعفها الكلمات للتعبير عن حزنها لدى توصلها بالخبر وهي التي تقدمت مرات عدة لقرعة الحج، وكانت هذه المرة الأولى التي يكون فيها الحظ حليفها، وتضرعت إلى الله عز وجل بأن يرفع الله هذه الجائحة ويطيل عمرها حتى تتمكن من أداء هذه الشعيرة الدينية السنة المقبلة.
بدوره، لم يخف السيد عبد الرؤوف عواد شوقه لزيارة البقاع المقدسة وأداء مناسك الحج في أحسن الظروف “هذا الأمر الذي تأجل لحكمة لا يعلمها إلا الباري عز وجل”، معبرا عن أمله في أن يتوصل الباحثون إلى لقاح فعال في القريب العاجل ليتمكن في السنة المقبلة من أداء مناسك الحج.
هذا العام لن يشُد ضيوف الرحمان من مختلف بقاع العالم الرحال لأداء مناسك الحج بعدما فرضت جائحة كورونا قيودا على مختلف الشعائر الدينية، غير أن أفئدتهم ستبقى متشوقة لهذه الرحلة المقدسة، وزادهم الدعاء لله عز وجل لرفع البلاء وتيسر سبل زيارة بيت الله الحرام.