تحف معمارية نادرة تقاوم الزمن والإهمال خلف أسوار طنجة

وراء أسوار المدينة القديمة بطنجة توجد معالم تاريخية نادرة، منها ما يعود إلى ما قبل الفتح الإسلامي. إنها تحف معمارية بعضها طاله الإهمال والنسيان، كضريح ابن بطوطة، والبعض يقاوم عوامل التعرية كسجن القصبة، فيما يحتاج قصر علي باشا أو متحف القصبة، كما يطل

طنجة نيوز – عمر بن شعيب *
صورة لسجن القصبة
وراء أسوار المدينة القديمة بطنجة توجد معالم تاريخية نادرة، منها ما يعود إلى ما قبل الفتح الإسلامي. إنها تحف معمارية بعضها طاله الإهمال والنسيان، كضريح ابن بطوطة، والبعض يقاوم عوامل التعرية كسجن القصبة، فيما يحتاج قصر علي باشا أو متحف القصبة، كما يطلق عليه اليوم، إلى عناية خاصة، وإلى حماية تحفظ الأشياء الثمينة التي بداخله من السرقة.

وراء أسوار المدينة القديمة بطنجة توجد معالم تاريخية نادرة، منها ما يعود إلى ما قبل الفتح الإسلامي. إنها تحف معمارية بعضها طاله الإهمال والنسيان، كضريح ابن بطوطة، والبعض يقاوم عوامل التعرية كسجن القصبة، فيما يحتاج قصر علي باشا أو متحف القصبة، كما يطلق عليه اليوم، إلى عناية خاصة، وإلى حماية تحفظ الأشياء الثمينة التي بداخله من السرقة.

سجن القصبة
على مساحة واسعة من ساحة القصبة، إحدى أهم قلاع المدينة العتيقة لطنجة، وضمن مجموعة مبانٍ أثرية، ما زالت تقاوم عوادي الزمن وسياسة الإهمال، بناية تاريخية، يبدو من خلال مشهدها أنها عبارة عن منشأة سجنية قديمة، ما زالت منتصبة إلى اليوم، بين جدرانها تختزل تفاصيل حقبة مهمة من تاريخ هذه المدينة بين مصرعي بابها الواسع، الذي ما يزال يلفت أنظار زوار ساحة القصبة إلى اليوم.

زج بهذه البناية أشخاص كثيرون وغادرها كثيرون، بينما قضى آخرون نحبهم وسط غياهيب هذا المكان الذي تم إنشاؤه في عهد الباشا أبي العباس أحمد بن علي الريفي، حاكم طنجة ومنطقة شمال المغرب منذ سنة 1720، وكل هؤلاء الذين وطئوا أرضية هذا السجن مراحل مختلفة، كانوا يشكلون فئة المعارضين للحكم المخزني في فترة مغرب السيبة.

تشير الوثائق التاريخية، التي أرخت لهذا السجن، أنه عندما تولى الباشا أحمد علي الريفي حكم طنجة، عارضته بعض القوى في القبائل الجبلية، وبعض القوى التي كانت حاكمة في مدينة تطوان، فلم يكن من الباشا إلا أن واجه تمرد هذه القوى بالنار والحديد، ومن بينها حديد زنازين سجن القصبة.

ويرى الكاتب والمؤرخ، رشيد العفاقي، أن هذا السجن ظل إلى غاية القرن التاسع عشر معروفا بأنه محبس للثوار والمعارضين، خاصة قبل فترة الحماية، كما أنه ظل مستعملا أيضا خلال فترات من الحقبة الدولية لطنجة.

ويؤكد العفاقي أن «الجرائد الصادرة بطنجة باللغتين الإسبانية والإنجليزية، وكذلك الرسائل السلطانية والمخزنية، تحدثت عن الكثير من رجال القبائل الذين أودعوا هذا السجن لتمردهم على الحكم المخزني».

ليست هناك سجلات خاصة بهذا السجن، وهو ما حال دون معرفة فترات مهمة من تاريخ المدينة والمنطقة، فالعثور على هذه السجلات، يضيف العفاقي، من شأنه أن يكشف عن تفاصيل فترة تاريخية مهمة من تاريخ هذه المنشأة التي تعتبر في جميع الأحوال ذات دور مهم في تاريخ مدينة طنجة في زمن السلم، وفي زمن الحرب، مع الإشارة إلى أن كل سجن له سجل خاص بهويات من دخلوه ومن خرجوا منه أو شغلوا وظائف ومهام فيه، ومعظمهم شخصيات بارزة سواء في المعارضة أو الحكم.

عمر سجن القصبة الآن حوالي ثلاث مائة سنة، وهو الذي يختزل بين جدرانه تفاصيل أحداث تاريخية مهمة، بيد أن هذا لم يشفع له أن ينال ما يستحقه من عناية، فهو معلمة أثرية بكل المقاييس والمواصفات، لذا فإنه من المفروض، حسب المؤرخ، أن يتم الاعتناء بمبناه من خلال الاحتفاظ بمرافقه الأصلية ترميما وصيانة، وأيضا عناية ببعض الأدوات المستعملة في السجن والتجهيزات التي كان يتوفر عليها، لكن الجهات التي تتولى مهمة المحافظة على الآثار لم تقدم عناية كافية لهذه المعلمة، وترك وحيدا يصارع عوامل التعرية.

إعلان

قصر علي باشا..
وراء أسوار المدينة القديمة توجد كذلك معلمة تاريخية على قدر كبير من الأهمية. يتعلق الأمر، بقصر علي باشا المعروف اليوم بمتحف القصبة، وقد بني القصر في صيغته الحالية في عهد السلطان المغربي الشهير مولاي إسماعيل، حيث انطلقت أشغال التشييد في أواخر القرن السابع عشر، سنة 1686م، واستمرت إلى حدود 1741م دون توقف. كما أن القصر قد أقيم بدوره على أنقاض قصر آخر بناه الإنجليز لدى احتلالهم المدينة، ودمروه بالمتفجرات لدى اضطرارهم للخروج منها.

طرأت على القصر مجموعة من التغييرات والإصلاحات أدخلها عليه السلاطين العلويون عندما اتخذوه مركزا للحكم، ومقرا لإقامتهم بطنجة. ولعل أهم هذه الإصلاحات تعود إلى أوائل القرن التاسع عشر مع السلطان مولاي سليمان، وبعده مولاي الحسن الأول سنة 1889.

يعد القصر تحفة معمارية متميزة تمزج بين الطراز المعماري المغربي المشتمل على زخارف سقفية خشبية، وجبصية متنوعة، وعلى ألواح زليج رائعة تزين الجدران، وعناصر ذات صبغة أوروبية كالأعمدة والتيجان الرخامية المنتصبة بالفناء الداخلي للقصر.

جولة داخل هذا القصر تنطلق من قاعة بيت المال التي تعلوها قبة من الخشب المحفور والمنمق. وتضم القاعة خزانة خشبية مطعمة بالحديد كانت مخصصة لحفظ الأموال.

للقصر بهو واسع محاط بأعمدة رخامية مزينة بتيجان مركبة، تنتصب في وسطه نافورة من الرخام الأبيض. حوله تنتظم قاعات لعرض التراث المحلي لمدينة طنجة بشكل تحقيبي وموضوعاتي منذ ما قبل التاريخ إلى القرن التاسع عشر الميلادي. ففي القاعة الأولى، يمكن لزائر القصر أن يكتشف أدوات عظمية و حجرية وأواني خزفية وتماثيل طينية تعود إلى فترات ما قبل التاريخ.

أما في القاعة الثانية، فتعرض نماذج من الخزف المصبوغ وتماثيل صنعت بمعامل الأقواس التي نشطت بها صناعة الخزف على الأقل منذ القرن الخامس قبل الميلاد. وتوجد ثمة أيضا مجموعة من الحلي الفضية والعاجية من تعاويذ وعقود وقلائد وأقراط، إضافة إلى بيض النعام المحفور، وهي تعود جميعها إلى الفترتين الفنيقية والبونية.

القاعة الثالثة خصصت للفترة الرومانية، وتضم تحفا رائعة الجمال، منها منحوتات رخامية تمثل إحداها مشهد الوليمة، وأخرى نصبا نذريا مرفوقا بقربان. كما تضم القاعة أيضا منحوتات وأواني خزفية وحلي عاجية، ومجموعة متميزة من القوارير الزجاجية.

أما قاعة القبة الكبرى، فتعتبر نموذجا راقيا للفن المغربي، إذ تحتوي على سقوف خشبية ذات زخارف متنوعة، وجدران مكسوة بنقائش جبصية، وألواح من الزليج المزخرف بأشكال هندسية متعددة الألوان. وما زادها رونقا أنها نقشت عليها ضمن توريق زاخر أبيات شعرية تتغنى بجمال القصر. ويعرض بهاته القاعة مخطوط نادر يعود إلى القرن الثالث عشر ومجموعة مكتبية ومنمنمات.

وخصصت القاعتان ( الخامسة والسادسة) لعرض تحف إسلامية، من أوان خزفية، وقطع نقدية، ونقائش جنائزية، وأفاريز من خشب الأرز ( المنحوت والمنقوش)، وألواح من الزليج وغيرها. وتنتهي زيارة البهو الرئيسي بالقاعة (السابعة) التي تضم تحفا تعود إلى الفترة العلوية، وهي تشمل مخطوطا مذهبا ومنمنما ومجلدات وثريا من النحاس الأصفر وأسلحة نارية…

أما الطابق العلوي للمطبخ، فقد خصص للمواضيع الدينية والطقوس الجنائزية والقيم الجمالية التي سادت عصور ما قبل الإسلام، إذ فيه تعرض مجسمات لقبور بونية (من منطقة مغوغة)، إضافة إلى مدافن وتوابيت رصاصية استخرجت من مقابر مرشان وجداريات من مقبرة «بوخشخاش»، كما نجد مجموعة من الأدوات الطقوسية والرموز الدينية وتماثيل للآلهة (باخوس) والأبطال (هرقل).

وتنتهي الزيارة بحدائق رياض السلطان التي أعدت وفق الطراز المعماري المغربي- الأندلسي، وتشمل نافورة من الرخام الأبيض، وصهريجا جانبيا، وسقاية حائطية، وفي أرجائها توزعت أعمدة وتيجان رخامية، ونماذج من الرحى الحجرية، ومدافع صغيرة الحجم.

يحتاج هذا القصر اليوم إلى عناية كبيرة، يقول المؤرخون، وإلى حراسة شديدة، لأن به أدوات وأشياء تاريخية وثمينة تحتاج إلى الحماية.

* عن اليوم 24

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...