أظهر الحماس الذي أبداه السياح الدوليون، منذ إعادة فتح الحدود الوطنية في السابع من فبراير الماضي، أن المغرب طوى حقا صفحة الجائحة. فالوجهة المغربية حققت بالفعل نجاحا باهرا بالنسبة للموسم الصيفي المقبل الذي تبدو بوادره جيدة.
ويرجع الفضل في الآفاق الواعدة التي تلوح أمام المغرب، بعد سنتين متسمتين بالأزمة الصحية العالمية، ومتحوراتها وتداعياتها السوسيو- اقتصادية الوخيمة، بالأساس إلى الجهود المبذولة من طرف السلطات الوطنية في تدبير الجائحة،.
ويعزى التأمين الصحي للتراب الوطني إلى العمل النموذجي للمملكة، الذي ينضاف إلى سياسة التلقيح الواقعية المتسمة بانخراط قوي للمواطنين؛ مما يعزز ثقة المسافرين، بل حتى الفاعلين السياحيين الدوليين، في الوجهة المغربية.
وتأتي بعد ذلك المبادرات المهمة للفاعلين في القطاع السياحي، الذين تعبأوا منذ بداية الأزمة الصحية من أجل إبقاء هذه الصناعة الاستراتيجية على قيد الحياة، والتي تساهم بـ 7 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وتوفر حوالي 750 ألف وظيفة مباشرة وأزيد من مليوني وظيفة غير مباشرة.
وبالرغم من أن المغرب يتوفر بشكل طبيعي على العديد من المؤهلات الفريدة التي تبوئه مكانة مرموقة بين الوجهات السياحية العالمية، فإن انتعاش القطاع السياحي الوطني هو بالأساس ثمرة جملة من العمليات الترويجية التي أطلقتها المؤسسات الساهرة على السياحة بجميع أنحاء العالم.
استراتيجية مغربية لا يمكن إيقافها
ويعد المكتب الوطني المغربي للسياحة نموذجا على ذلك، بحيث لم يدخر جهدا في سبيل الاستحواذ على حصص جديدة من السوق، أو على الأقل استرداد عشاق المغرب، مستهدفا تأمين القدرات الجوية وعروض وكالات الأسفار نحو المملكة.
وبهدف الترويج للعرض المغربي، كوجهة أصيلة وآمنة وتتيح تغيير الأجواء، وكذا تقوية جاذبيتها، قام المنعشون السياحيون الوطنيون بجولة تجارية وترويجية وتواصلية بعدة بلدان، في مقدمتها فرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا وألمانيا وإسرائيل.
ووعيا منه بأن البيع عبر المنصات الاجتماعية “social selling”، يشكل عامل تنافسية أساسي بالنسبة للمستهد فين الشباب، اعتمد المكتب الوطني المغربي للسياحة على مؤثرتين شهيرتين على الصعيد الدولي لإغراء المسافرين الأمريكيين، عن طريق “كيلي إيردمان” المشهورة تحت إسم “Happy Kelli” المستعار، والإسرائيليين عبر صوت المنشطة “ياردن هاريل”.
هذه الاستراتيجية الرقمية، الهادفة إلى إغراء هذين السوقين الجد تنافسيين، تم تعزيزها بإبرام شراكة غير مسبوقة بين المكتب الوطني المغربي للسياحة و”تريب أدفايزر” (Tripadvisor)، أهم وأكبر منصة لاستعراض أفضل أماكن السفر والتجوال عبر العالم.
وبفضل هذه الاتفاقية، يحظى المغرب بمكانة بين الوجهات المتوسطية الأكثر توصية بزيارتها على المنصة، والتي تضم حوالي 500 مليون مسافر ضمن 49 سوقا دوليا، مع اهتمام خاص في السوقين الأمريكية والإسرائيلية.
ولعدم ترك شيء للصدفة وضمان انتعاش يرقى إلى التطلعات، سبق هذه الرحلة الكبيرة إنجاز دراسات لاستقصاء وتحديد الاتجاهات الدولية في مجال السفر، بهدف ملاءمة الوجهة المغربية مع أعلى المعايير الدولية.
الوجهة المغربية، عرض لكل الأذواق…
بفضل مختلف حملاتها على المقاس، على غرار “أجي” و”We are Open” أو “نتلاقاو فبلادنا”، توسع العمل الترويجي والتجاري المغربي بسلسلة من التجارب الفريدة التي تعكس تنوع العرض المغربي، الذي يلبي تطلعات المسافرين المتعددة : الثقافة والطبيعة والبحر والجبل والصحراء والرياضة أو الترفيه…
وتهدف آخر عملية دولية، والتي حملت شعار “المغرب، أرض الأنوار”، إلى رفع المغرب نحو مرتبة الوجهات الأكثر جاذبية وتعزيز سمعتها لدى الجمهور الدولي، لاسيما الأجيال الجديدة من المسافرين.
وأطلقت هذه الحملة متعددة القنوات، المبدعة والملهمة في الوقت ذاته، عبر 20 بلدا، من بينها أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط وإسرائيل وإفريقيا، طامحة إلى وضع الوجهة المغربية ضمن تصنيف “Top 10 Bucket List Destinations” للمسافرين الدوليين.
وعبر تثمين ثروات البلاد، تدعو “المغرب، أرض الأنوار” السياح البالغين بين 25 و59 سنة من حول العالم إلى اكتشاف أو إعادة اكتشاف المغرب عن طريق الفنون والتجارب الثقافية والطبيعة والتراث القروي والشواطئ والأنشطة الترفيهية.
“مرحبا 2022″، عملية خاصة على عدة مستويات…
بعد سنتين من التوقف بسبب الجائحة، ستعبئ عملية “مرحبا 2022” أدوات ووسائل غير مسبوقة بغية السماح للمغاربة المقيمين بالخارج بالعودة إلى أرض الوطن في أفضل الظروف.
وبالفعل، استأنفت الشركات البحرية، منذ 12 أبريل الماضي، عمليات نقل الركاب عبر مضيق جبل طارق.
تحسن الوضع الصحي في المغرب وأوروبا، وعيد الأضحى الذي يتزامن هذا العام مع العطلة الصيفية، إضافة إلى تطور العرض السياحي المغربي، كلها مؤشرات تبشر بطلب قوي على “عملية مرحبا” التي تتوقع عبور 3 ملايين مسافر و700 ألف عربة.
وتلبية لهذا الطلب الاستثنائي، تمت تعبئة إجمالي 32 باخرة، بهدف إجراء 571 رحلة أسبوعيا على مجمل الخطوط البحرية الرابطة بين الموانئ المغربية ونظيراتها الإسبانية والفرنسية والإيطالية.
وتهدف اللجنة المشتركة المغربية الإسبانية لعبور المغاربة المقيمين بالخارج إلى السهر على جميع المكونات المتعلقة بسلاسة التنقل والأمن والسلامة، وتدابير المساعدة والقرب، وعمليات التواصل وكذلك تدابير الوقاية واليقظة.
وتعد جودة الشركاء الدوليين للسياحة الوطنية، وبينهم مؤسسات عمومية وخاصة، ومنظمو الرحلات السياحية المشهورين، وشركات طيران مرموقة، إشارة قوية تعبر عن الثقة التي يتمتع بها المغرب دوليا.
وعلى الرغم من أن الأزمة الصحية كانت مؤسفة، إلا أن الفضل يرجع لها في تسريع تجديد العرض السياحي الوطني وإعادة تشكيله، وكذا إعادة تموقع الوجهة المغربية على الصعيد الدولي ورفعها نحو أعلى المراتب.