عبد الله الجباري يكتب: “توضيح حول الدعوى القضائية الخاصة بأحد الدخلاء على البحث العلمي”

الدكتور عبد الله الجباري أستاذ باحث

صدر عن الرابطة العالمية للشرفاء الأدارسة منذ أيام بيان للتضامن مع الشخص (خ ب) [اسم الشهرة (خ س ب)]، وذلك حول الدعوى القضائية المرفوعة ضده، اجتهدوا فيه من أجل التلبيس والتدليس على الرأي العام، وسوقوا من خلاله أن المدعين لم يرقهم دفاع (خ س) عن شرف المغربيات وعرض المغاربة وكرامتهم، وأن المدعين يعتقدون عصمة آبائهم ولا يقبلون مناقشة آرائهم، ولم يجد أصحاب أو صاحب البيان ما يعضدون به قولهم، سوى كتاب سوابق للناسخ التطواني محمد بوخبزة، وختمت الرابطة بيانها بقولها: “وعندما حقق ابننا الأستاذ سيدي خالد السباعي الإدريسي الحسني كتاب (كذا) به تعليقات خاصة للدفاع عن بيضة الإسلام، وعن المذهب المالكي، وعن العرش العلوي المجيد، يقوم بعض المارقين بجررته إلى المحاكم في عدة مدن مغربية، بدون حشمة ولا حياء، وكأنه اقترف ذنبا لا يغتفر”..

وبعد إصدار هذا البيان، شاركه أخونا حمزة الكتاني، وزاد في الطنبور نغمة، فأعلن تضامنه مع المشار إليه أعلاه، وتضامنه بسبب هذه النازلة مع (السادة الشرفاء السباعيين الأدارسة، في الداخل والخارج).

وبعده نشر أخوه حسن (من شيوخ السلفية الجهادية بالمغرب) منشورا تضامنيا، سطّر فيه أن المشار إليه أعلاه انتقد أعمال علماء آخرين، وبيّن “ما فيها من أخطاء علمية، فما كان من أسرة ذلك العالم إلا أن عدّوا ذلك تجرؤا على مقام شيخهم وتطاولا عليه”.

ولم يكتفوا بهذه المناشير، فاختلقوا شخصية وهمية نسبوها إلى المدينة المنورة، وخلعوا عليها صفات الباحثين الكبار، ونشروا باسمها منشورا طويل الذيل، قليل النيل، سطروا فيه ما ذُكر، وأضافوا إضافات.

هنا، نرجع للتوضيح والبيان والتعليق.

أولا: القضية ذات صلة بالشيخ الإمام الحافظ المتقن أحمد بن الصديق الغماري قدس الله روحه ورضي عنه.

ثانيا: الشخص المدعى عليه لا علاقة له بالعلم والبحث العلمي، انتسب للدراسة في الأزهر ورسب ولم يحصل على أي شهادة، واشتغل بتجارة الفواكه بالجملة، ثم قرر الاتجار بالعلم، فتوجه إلى الأسرة الصديقية، وطرح عليهم مشروع تأسيس دار نشر، ونشر كتب وتراث الأسرة الغمارية الشريفة، لكن مخاطَبه تفرس فيه صفة التجارة فرفض الانخراط في المشروع، بعدها توجه إلى آخرين الذين انخرطوا معه في مشروع التجارة بتراث أجدادهم وعمومتهم.

ثالثا: موضوع الدعوى لا علاقة له بالبحث العلمي والنقد العلمي وحرية الفكر، كما يروج لذلك المذكورون أعلاه، الحقيقيون والوهميون. بل كثير من المؤلفات العلمية تطرقت بالنقد لأعمال الصديقيين الغماريين، ولم تُرفع أي قضية ضد أحد منهم.

رابعا: الشخص المشار إليه، نشر كتابا لعبد الحي الكتاني، وقدم له بمقدمة طويلة جدا، مليئة بكل شيء إلا بالعلم والتحقيق، وقد أخبرني كثير من أصدقائه معارضتهم لما سطره هناك، بل منهم من واجهه بذلك، ومما تضمنه هذا التقديم غير العلمي اتهام الحافظ الناقد أحمد بن الصديق بالسرقة العلمية، ولم يأت على دعواه بربع دليل، سوى تسويد الورق.

خامسا: الاتهام بالسرقة ليس نقدا علميا، بل هو سب وقذف وتشهير، وفي المغرب هناك قوانين معمول بها، تعاقب مرتكبي هذه الجرائم وإن كانوا “شرفاء”.

سادسا: عضدوا بيانهم الذي حرره لهم المشار إليه ليتضامن مع نفسه، بما سبق أن كتبه الناسخ التطواني محمد بوخبزة، وللإشارة، فإن بوخبزة المذكور كان بارعا في مثل ما قاله المدعى عليه، وقد ضمّن كتابه المشار إليه بغير قليل من البذاءة، فرُفعت عليه دعوى قضائية، وحكم عليه القضاء المغربي بما يستحق، لأنه لم يمارس النقد العلمي، بل مارس ذاك الشيء الذي يعاقب عليه القانون.

سابعا: من المسلّم به أن القضايا التي تكون معروضة أمام القضاء، لا يناقشها أحد كيفما كان وضعه ومكانته، بما في ذلك البرلمان، إذا ذهب مواطن عند برلماني ما، يلتمس منه أن يطرح القضية سؤالا شفويا أو كتابيا، فإنه يسأله أولا: هل القضية معروضة أمام القضاء؟. وإذا كانت معروضة عليه فإنه يُمنع التطرق إليها قانونا، لأنه يعتبر تأثيرا على القضاء.
والتأثير على القضاء جريمة يعاقب عليها القانون، فكيف تورطت رابطة هؤلاء الشرفاء في التأثير على القضاء؟ أم أنها لا تثق في القضاء المغربي؟ وهل كل شخص سباعي أو إدريسي رُفعت عليه دعوى تدافع عنه هذه الرابطة؟ وهل الشرفاء فوق القانون ولا يجوز عرضهم على القضاء؟ ما هذه الوضاعة التي وقع فيها الشرفاء؟

إعلان

إن هذا البيان رسالة سيئة أرسلتها الرابطة العالمية/المحلية لعموم المواطنين، مفادها أن الشريف لا يجوز عرضه على القضاء، وإذا عرض عليه فإننا ندافع عنه ونستميت في التضامن معه، بخلاف نص الدستور الذي ينص على المساواة بين المواطنين، وأن لا فرق بين الشريف وغير الشريف في العرض على القضاء.

ثامنا: للتهويل ونثر بهارات التشويق، زعم حمزة المشار إليه تضامنه مع السباعيين الأدارسة في الداخل والخارج، يعني الشرفاء السباعيين في المغرب والنرويج والدنمارك وتندوف وجنوب إفريقيا… لماذا؟ لأن شخصا واحدا عُرض على القضاء لأنه متهم بتهمة عادية يُعرَض بسببها على القضاء آلاف المغاربة في السنة. فلماذا هذا التهويل؟ أليس في الأمر تأثيرا بليدا على القضاء؟

تاسعا: وقفة مع حسن الكتاني، أحد شيوخ السلفية الجهادية بالمغرب، وهذا الشيخ عقله فوق شعره، ومن مبادئه: “الغاية تبرر الوسيلة”، وإذا كانت مصلحته في التلبيس والتدليس فإنه يرتكب ذلك ولا يبالي، وهنا يكتب عن المدعى عليه كونه مسكين بريء لم يرتكب سوى النقد العلمي، لكن عائلة المنتَقَد عدّوا ذلك تطاولا على مقامه…. أليس هذا عين الكذب؟ أليس هذا عين التدليس يا شيخ؟ أليست الدعوى مرفوعة على الاتهام بالسرقة وليس على النقد العلمي؟

دعنا من هذا، والدك علي الكتاني أو جدك المنتصر. لنفرض أن أحدا كتب عن أحدهما أنه كان يجمع المال من الخليج ليبني المساجد بأوربا، وسرق تلك الأموال وبنى بها قصرا بالرباط…. هل كنت سترفع عليه دعوى قضائية ذبا عن عرض أبيك أو جدك أم لا؟ وهذه سرقة والأخرى سرقة… فلا تأخذنك الحمية للدفاع عن صديقك بالباطل، وتذكر وأنت شيخ سلفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما… وراجع معناه، أم أنك لا تؤمن بالأحاديث إلا ما وافق هواك؟.

عاشرا: من المعروف أن القضايا المعروضة أمام المحاكم يدافَع عنها شكلا ومضمونا في ردهات المحاكم، ولعل الشخص المذكور عجز عن الدفاع عن نفسه أمام القضاء، ولم يستطع إثبات السرقة المذكورة، ففر إلى رابطة لا تسمن ولا تغني من جوع، وإلى الأشخاص الوهميين، للتشغيب في الفضاء الافتراضي، ومحاولة خلق رأي عام، لكن صياغة البيان كانت فاشلة، ومليئة باللغو.

حادي عشر: لم يثر أحد من المذكورين أي خلل مسطري في الدعوى. ولم يثر أي نقاش قانوني… وهذا ما يجب تنبيه رابطة الشرفاء إليه…

أخيرا: الفقرة التي خُتم بها البلاغ لا تساوي بصلة، وارتكزت على أن المدعى عليه نشر الكتاب دفاعا عن بيضة الإسلام، وهذا آخر ما يفكر فيه ذلك التاجر، لأنه يدافع كثيرا عن عبد الحي الكتاني الذي كان مناضلا من أجل الظهير البربري الذي لم يكن له من هدف سوى تنصير المغاربة وسلخهم عن هويتهم، فكيف نجمع بين الدفاع عن عبد الحي والدفاع عن بيضة الإسلام؟

كما زعم الشخص المذكور في البيان الذي كتبه دفاعا عن نفسه بأنه دافع عن العرش العلوي المجيد، والذي يدافع عن العرش لا يمكن أن يكون مدافعا عن عبد الحي، لأن عبد الحي هو العدو الثاني لمحمد الخامس رحمه الله، وكم عانى محمد الخامس والوطنيون منه، وعبد الحي هو الذي شجع الفرنسيين على خلع الملك الشرعي، وعبد الحي هو الذي تجشم عناء الدعاية لبيعة ابن عرفة في القرى والبوادي المغربية، من الأطلس إلى السهول، ومن الجنوب إلى الوسط. فكيف يمكن للإنسان أن يدافع عن العرش العلوي وفي نفس الوقت يدافع عن عبد الحي.

وللإشارة، فعبد الحي تربطه بالملوك علاقة بطْنية، فمن أكرم بطنه أثنى عليه، ومن حرم بطنه سلقه بألسنة حداد، ومثال ذلك السلطان عبد الحفيظ، فإنه كان كثير الثناء عليه لما كان يكرمه، ولما أبعده بعد حادثة سيدي محمد بن عبد الكبير الكتاني، صار يقدح فيه ويقذع، وهاك المثال، قال عبد الحي: “جئت يوم عيد لتهنئة المخلوع الأخير عن مملكة المغرب الأقصى المولى عبد الحفيظ المُقام في باب التدمير والتخريب بدار الملك بفاس …. ” ثم تمثل في وصف السلطان بقول الشاعر:
إذا رأيتَ امرءا وضيعا قد رفع الدهر من مكانه.

هذا الاقتباس القصير من الإفادات والإنشادات يبين حقيقة عبد الحي مع العرش العلوي:
** وصف الملك بالمخلوع، والصواب أنه تنازل عن العرش، وتلك العبارة سوء أدب وعقوق في حق من كان يكرمه بمبلغ مالي يوميا.
** وصفه لباب القصر الملكي بباب التدمير والتخريب… فتنبه ولا تشغب على الناس في البيانات التي تزعم الدفاع عن الثوابت يا تاجر.
** وصفه للسلطان عبد الحفيظ بالوضيع من خلال التمثل بالبيت الشعري المذكور.

وللإشارة، في الوقت الذي كان عبد الحي يطعن في السلطان محمد الخامس، ويبارك نفيه، ويفرح به، كان الإمام الحافظ أحمد بن الصديق وإخوته يدبجون البيانات ويحرضون العلماء على توقيع العرائض التي لا تعترف بأي سلطان سوى محمد الخامس، وفي الوقت الذي كان عبد الحي يمارس كل أنواع التشويش والتشغيب على محمد الخامس، كان أحمد بن الصديق وإخوته في مقدمة مستقبلي محمد الخامس في زيارته التاريخية إلى طنجة… هذا تنبيه لرابطة الشرفاء ولرابطة غير الشرفاء.

ويبقى في الأخير سؤال وحيد وجيه: لماذا لم يتحدث أحد في البيانات والتدوينات عن الموضوع الرئيس والوحيد في الدعوى القضائية؟ هل ذلك اعتراف منهم بأحقية الدعوى وصوابيتها، لذا يمارسون التشويش والتشغيب بإيراد ما لا علاقة له بالموضوع؟

نرفض رفضا قاطعا التأثير على القضاء.
نرفض رفضا قاطعا التدليس.
نرفض رفضا قاطعا الكذب.
نعم للبحث العلمي، لا للاتهام في الأعراض بالبهتان.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...