قرطبة الأرجنتينية .. قصة مدينة بتاريخ مجيد تنشد مستقبلا مشرقا

بقلم: هشام الأكحل - و.م.ع

لمدينة قرطبة الأرجنتينية مكانة خاصة بين مدن هذا البلد الجنوب أمريكي، فهي تتوسط الأرجنتين، وتحتل المرتبة الثانية سواء من حيث عدد السكان أو من حيث أهميتها الاقتصادية بعد بوينوس أيريس، وتشكل مركزا ثقافيا وسياحيا واقتصاديا وأكاديميا على قدر كبير من الأهمية.

فإذا كانت العاصمة بوينوس أيريس هي القلب النابض للأرجنتين، البلد الذي يحتل المرتبة الثامنة عالميا من حيث المساحة وذلك بنحو 7ر2 مليون كلم مربع، فإن الطبيعة الخلابة التي تميز قرطبة ومناخها المعتدل ومعالمها الأثرية العابقة بالتاريخ ..عوامل ومؤهلات من بين أخرى، جعلت من هذه المدينة التي تبعد عن العاصمة ب600 كلم إحدى الوجهات السياحية الكبرى بالأرجنتين.

ولعل أبرز ما يميز المدينة هو جامعة قرطبة، التي تأسست سنة 1613، وهي الأولى من نوعها بالأرجنتين وإحدى أقدم الجامعات بالأمريكتين، وتعتبر من ضمن أهم جامعات القارة حيث تستقطب نحو مائة ألف طالب الكثير منهم ينحدرون من البلدان المجاورة ويتابعون دراساتهم بها بفضل مجانية وجودة خدماتها التعليمية.

وفي العام 1918، كانت هذه الجامعة مسرحا ل “الإصلاح الجامعي” ويتعلق الأمر بحركة سرعان ما انتشرت بمجموع بلدان القارة، ومن ضمن المطالب التي رفعتها وقتئذ إرساء تعليم حر ومجاني، وهذا هو واقع الحال إلى غاية الوقت الراهن.

ويعج وسط المدينة التاريخي، بالعديد من البنايات التي تعود الى الفترة الكولونيالية، حينما كانت قرطبة مركزا هاما وهمزة وصل تؤمن تدفق التجارة بين مناجم الذهب والفضة من مواقع ببوليفيا حاليا إلى ميناء بوينوس ايريس.

وإذا كان زائر المدينة قادما إليها من ناحية الجنوب، فسيلجها حتما من تحت “قوس قرطبة”، تلك المعلمة التي تشكل رمزا للقرطبيين والتي شيدت عام 1942.

وتتشكل هذه المعلمة من برجين بارتفاع يقارب 18 مترا لكل واحد منهما ويربطهما جسر، لكن اللافت أن شكلهما الهندسي يعود بالمتأمل فيهما إلى زمن العصر الوسيط وفن المعمار الذي كان سائدا حينئذ.

ويستحوذ مركز المدينة أو الحي العتيق على أهم المعالم التاريخية وفي مقدمتها ساحة “سان مارتين” والعديد من الكنائس والمنشآت التي مازالت شاهدة على الفن المعماري زمن الحكم الاسباني.

وفي هذه المدينة دأب السياح على التجول في أزقة وساحات المدينة وزيارة كنائسها والمشي بمحاذاة قناة “لا كانادا”، والتدفق على مختلف المتاحف ومن جملتها متحف الفنون الجميلة أحد أهم الرموز الثقافية للمدينة.

كما تعتبر مدينة قرطبة، التي تمكنت من جعل الحداثة تنسجم مع ماضيها الكولونيالي، إحدى الوجهات السياحية المفضلة للأرجنتينيين بفضل مناخها المعتدل والعدد الكبير من الانهار والروافد، والسلاسل الجبلية التي تلف محيطها.

وتتميز قرطبة أيضا بعدد كبير من السدود والخزانات المائية، على الخصوص سد “كروز ديل إيخي”، الأعرض من نوعه بأمريكا الجنوبية، وقد جرى تشييده سنة 1943، وهو أهم سد كهرمائي بقرطبة وموارده المائية تشكل عامل جذب سياحي لممارسة الرياضات المائية وصيد الأسماك.

تستحق قرطبة أن يتجشم المرء عناء السفر والاستمتاع بما تمنحه لزائريها من متعة يحكيها تاريخ هذه المدينة التي تعانق الحداثة وتنشد الاستمرار في الحفاظ على موقعها المتميز كثاني أهم مدينة أرجنتينية بعد العاصمة بوينوس أيريس.

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...