الشــــــــــراقــــــــــــي

قصتنا مع الشرقي في طنجة غريبة وممتعة. نكرهه ونحبه. يغطينا رمالا، ويعرينا جهارا. يشعر الطنجاوي الأصيل – ويا للغرابة – بقدوم الشرقي حتى قبل أن تنطلق زوابعه.
قصتنا مع الشرقي في طنجة غريبة وممتعة. نكرهه ونحبه. يغطينا رمالا، ويعرينا جهارا. يشعر الطنجاوي الأصيل – ويا للغرابة – بقدوم الشرقي حتى قبل أن تنطلق زوابعه.

هناك تغير في المزاج وحـــــّدة في القول، هناك رغبة في النوم طوال اليوم. أعراض غريبة لو عرضتها على أي طبيب أجنبي لنصحك بالباراسيتامول على الفور، أو واحدا من أبناء عائلته على الأقل. عائلة الباراسيتامول طبعا وليس عائلة الطبيب.
لكن، لو زرت طبيبا طنجاويا، فسيدرك الأعراض عى الفور ويبتسم لك قائلا: حاول فقط ألا تضع بقربك الأدوات الحادة وسيكون كل شيء على مايرام.. إنه الشرقي!

نعم إنه الشرقي، الذي كانت تهوي بسببه شلالات الدموع من عيوننا أيام الطفولة لأنه يحرمنا من الذهاب إلى الشاطئ. الشرقي يعني الراية السوداء في “البلايا”، والراية السوداء تعني لا للسباحة، على الأقل بالنسبة للوالدين. أما بالنسبة لنا، فما كان ليردعنا الشرقي ولا إعصار تورنادو. البحر أولا وبعدها مرحبا بتسونامي.

في شوارعنا الشعبية يتسلى الشرقي كثيرا بتغطية رؤوسنا بالرمال والقاذورات و الأوراق الممزقة، المحترق بعضها. لا أدري بالضبط من يرمي هذه الأوراق التي احترق نصفها. دائما عندما يأتي الشرقي وتلتصق ورقة ما بشعرك المليء بالمرهم، تجد أن هذه الورقة عليها علامات الحريق. هناك شخص مهووس بالحرائق بيننا لا نعرفه!

الشرقي يكره أن يتجاهله أي شخص، حتى لو كان يقطن بحي راقي. لذا يقوم بصفق النوافذ و الأبواب إيذانا بقدومه في الأحياء النظيفة التي لا تغادر فيها الأزبال حاويات القمامة لتنتقل إلى داخل البيوت.

الخبراء، بنظرة واحدة إلى البحر، يبتسمون عندما يشاهدون الضباب وهو يستعد للصعود إلى فوق. يبتسمون ويومئون برؤوسهم ببطء دلالة على عمق الخبرة: الشرقي طالع!!

الشرقي أيضا يطرد هواة التجول في الكورنيش. لا أحد يحب أن يتجول والرياح تبعثر ملابسه التي اختارها بعناية من دولاب ملابسه، إن كان غنيا. أما إن كان فقيرا، فهو لا يريد للشرقي أن يحول القميص الوحيد الذي يملكه إلى “جفاف”. لكل أسبابه، لكن الجميع يقبع في منزله أو يختبئ بين الدروب عندما يأتي الشرقي.

إعلان

الشرقي يعري كثيرا، ولايهتم إن كنت رجلا أو فتاة. لذا من الأفضل لك أن تختار لباسا مناسبا، وإلا فلا تلومن إلا نفسك إن وقع ما وقع.

رغم كل عيوبه نحب الشرقي، لأنه يخلي الشوارع ولو لأيام. حيث يمكنك – خلف زجاج نافذة ما – أن تشاهد الشوارع المقفرة تحادث نفسها. وهو مشهد قليلا ما يحدث.

قصتنا مع الشرقي عمرها آلاف السنين، اسألوا أجداد أجدادكم إن زاروكم في المنام وسيؤكدون لكم هذا.

الشرقي يجيء بصخب، ويذهب بصمت. يتركنا نلمم جراحنا المعنوية ويرحل. تاركا مكانه لضيف محبوب كثيرا نعرفه جميعا، قد نكتب عنه لاحقا إن لم تهب رياح شرقية وتقلب لنا المزاج فنكتب عن “كوالا لامبور” بدل أن نكتب عن طنجة. مع الشرقي لا أحد يستطيع أن يضمن أي شيء.

عبد الواحد استيتو
stitou1977@yahoo.com

Facebook | Abdelouahid Stitou

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...